الأصل أن يكون اختيار الزوجين على أساس الدين والتقوى ، ولكن إذا تم الزواج ثم كان الزوج فاسقا : فإن كان يريد من امرأته أن تعينه على فسقه فلها أن تطلب الطلاق تفادياً لما يمكن أن يصيبها من الإثم ، وكذلك إن كان يسيء عشرتها ويضرها ويؤذيها، خصوصاً إذا استمر في ذلك ولم ترج منه التوبة ولا استقامة الحال .

وإن كان لا يفعل هذا ولا ذاك، ويحسن عشرتها، فإن الأرجح أنها إذا كانت تأمل في توبته صبرت ، حتى لو كان يترك الصلاة أو يشرب الخمر ما لم ينكر الصلاة أو يستحل الخمر ، وإلا فالأولى أن تطلب الطلاق .

جاء في فتاوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :

الزواج ميثاق غليظ، ورباط مقدس، يجمع بين الرجل والمرأة على كتاب الله تعالى وعلى سنة رسوله ، ويجعل كلاً منهما لصاحبه بمنزلة اللباس له ، كما قال الله تعالى في تصوير هذه العلاقة بينهما: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [البقرة: 187]. بما توحي به كلمة ( اللباس ) من القرب واللصوق والستر والدفء والزينة .

ولهذا يجب على كل من الزوجين أن يحسن عشرة صاحبه، وأن يصبر عليه، ولا يجوز للرجل أن يطلق زوجته للإضرار بها؛ لأن في ذلك هدم هذه المؤسسة المشتركة، وكسر قلب الزوجة، وربما فرق بينها وبين أولادها منه بغير مبرر ولا ضرورة .

ومن هنا كان التفريق بين المرء وزوجه من الكبائر الموبقة، وهو من أحب الأعمال إلى إبليس كما جاء في بعض الأحاديث ، كحديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : “إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنتَ”. أخرجه مسلم في صحيحه (رقم 2813/67) ..

وإذا كان الزوج يحرم عليه إضرار امرأته بالطلاق بلا عذر، فكذلك لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بلا عذر موجب. وقد جاء فيما رواه أحمد والترمذي وحسنه، عن ثوبان – رضي الله عنه – أن النبي قال: “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة ” .

ومفهوم الحديث: أنها إذا طلبت الطلاق من بأس وبسبب، فلا إثم عليها .

فهل يكون فسق الزوج سبباً موجباً أو مجيزاً للمرأة طلب الطلاق ؟

لا ريب أن الفساق يختلفون في مدى فسقهم وفي معاشرتهم لنسائهم، فمنهم من يريد من امرأته أن تعينه على فسقه، بأن تقدم له الخمر مثلاً، وهو حرام عليها، فيجوز لها أن تطلب الطلاق تفادياً لما يمكن أن يصيبها من الإثم .

ومنهم من يسيء عشرته لامرأته ويضرها ويؤذيها، فهذا يعطيها الحق في طلب الطلاق وخصوصاً إذا استمر في ذلك، ولم ترج منه التوبة ولا استقامة حال، ومنهم من لا يفعل هذا ولا ذاك، وهو حسن العشرة معها، فهذا هو الذي يختلف فيه .

وجمهور الفقهاء يرون أن تارك الصلاة كسلاً إنما هو عاص فاسق لا كافر مرتد، وعلى هذا لا يجب التفريق بينه وبين امرأته .

والذي نرجحه هنا: أن المرأة إذا كانت تأمل في رجعة زوجها إلى الله، وأنه يمكن أن تؤثر فيه النصيحة والموعظة، وأن حاله يمكن أن يتحسن، فعليها أن تصبر عليه، وإن كان فاسقاً بترك الصلاة وبشرب الخمر، وخصوصاً إذا كان معها أولاد من ذلك الرجل، وتخشى عليهم التشتت والضياع .

وهذا بشرط ألا يستحل ترك الصلاة أو شرب الخمر، فينتقل بذلك إلى الكفر الصريح المفرق بين المرء وزوجه .