آصرة الزواج من أمتن الأواصر ولابد من تحقق السكن والمودة التي جعلها الله ملازمة للعلاقة الزوجية.
يقول فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي -رحمه الله- في ذلك :
يقول رسول الله -ﷺ- : “لا ضرر ولا ضرار“، ومن القواعد الشرعية أن الضرر يزال، وأن درْء المفاسد مُقدم على جلب المنافع، فإذا تسبَّب الزوج في إحداث ضررٍ لزوجته، بأن امتنع عن الإنفاق عليها، أو كان غائبًا، أو مسجونًا، ولم تجد الزوجة من ماله ما تُنفقه على نفسها، أو كان به عيب لا تستقر معه الحياة الزوجية، أو ما شابه ذلك، فإنه لا يكون صالحًا للحياة الزوجية؛ لأن الحياة الزوجية تقوم على السكنية والمودة والتعاون والمشاركة الوجدانية، ولذلك يقول الله -تبارك وتعالى- : (ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لكمْ مِن أَنْفُسِكمْ أزواجًا لِتَسْكُنُوا إليهَا وجعَلَ بيْنَكُمْ مَودَّةً ورَحمةً، إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقومٍ يَتفكَّرونَ). [الروم : 21].
فإذا غاب الزوج عن زوجته مدة طويلة، وقطع صلته بها، أو قطع أخباره عنها، ولم يُؤدِّ إليها حقوقها، وتضررت الزوجة من ذلك، وأرادت الافتراق عنه بسبب غيبته، فلها الحق في أن تطلب فسخ الزواج بينها وبين زوجها الغائب، وذلك عن طريق وليِّ الأمر وهو القاضي.
فإذا ثبت لدى القاضي ما ذكرت، فرَّق بينهما، ويكون هذا التفريق طلقة بائنةً بينونةً صُغرى.
ويرى بعض الفقهاء أن الزوج الغائب إذا كان مكانه معروفًا، ويمكن إيصال الرسائل إليه، فإن ولي الأمر (الحاكم أو القاضي) يحدد له مدة مناسبة لحضوره إلى زوجته وإقامته معها، وأدائه حقوقها، أو ينقلها إلى المكان الذي يقيم فيه، أو يُطلقها باختياره، فإن استجاب الزوج وعاد إلى زوجته فبِها ونِعمت، وإن لم يعُدْ بعد ذلك فرَّق وليُّ الأمر بينهما، لأن هجر الزوج لزوجته مدة طويلة، دون سبب مشروع، ودون رضاها، يُعرِّضها لأضرارٍ في حِسِّها ونَفسها، وقد تنحرف في سلوكها بسبب هذا الهِجران.
وإذا حكم وليُّ الأمر بطلاق المرأة التي غاب عنها زوجها غيبة طويلة، فلها الحق أن تتزوج بمن تريده، بعد انتهاء عدَّتها وإذا عاد الزوج الأول بعد إتمام الزواج الثاني، فإنه لا يكون له الحق في إعادة هذه المرأة إلى عصمته، بعد أن بانت منه وتزوَّجت غيره.