اختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه، وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع.
لحديث ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
مدى الإكراه في الطلاق وشروطه عند الفقهاء؟
اختلف أصحاب هذا الرأي في مدى الإكراه وشروطه، ففي الفقه المالكي أن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوي حل عقدة الزواج باطنا. ثم إن الإكراه الذي لا يقع به الطلاق هو أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يكن الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيراً أو قليلاً أو سجن وإن لم يكن طويلاً أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد.
ففي هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق. ومثل التهديد بما سلف، التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد في المذهب (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج – 2 ص 415 وما بعدها).
وفي الفقه الشافعي أن الإكراه يحصل بالتخويف في نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال. وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فالوجيه الذي يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك في حقه إكراها،والشتم في حق رجل ذي مروءة إكراه. ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأته، إذ لا شك في أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم.
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبته وإن علا أو سفل أو إيذاء بجرح وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوي أرحامه أو جرحه أو فجور به كل ذلك يعتبر إكراها.
وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عادلا، وأن يعجز المكره عن دفع التهديد.
وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به، وأن لا يكون الإكراه بحق وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار وأن لا ينوى الطلاق (تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج – 8 ص 36 فى كتاب الطلاق).
ويشترط الفقه الحنبلي لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق، وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذي مروءة، أو أخذ مال كثير أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقي الأقارب، وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به، وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به. وأن يعجز عن دفع ما هدد به (المغني لابن قدامه الحنبلي ج – 7 ص 315 في كتاب الطلاق).
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة في الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعي هو الذي اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بايذاء بقتل أو فجور أو قطع أو ضرب أحد عصبته أو ذوي رحمه كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره، وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المهذب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبي..
وتخريجاً على الأمثلة التي ذكرها فقهاء الشافعية، فيلزم توافر الشروط التي اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق. وموجزها أن لا يظهر منه نوع اختيار كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر. وأخيرا أن لا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة في قلبه بالطلاق.