ما هو بيع المزاد أو المزايدة وحكمها:
وهذه الصور مستثناة من الشراء على شراء أخيه أو السوم على سومه .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
واستثنى الفقهاء بيع المزايدة بالمناداة من الشراء على الشراء ، ومن السوم على سوم أخيه ، وهذا بيع جائز بإجماع المسلمين ، كما صرح به الحنابلة ، فصححوه ولم يكرهوه . وقيده الشافعية بأمرين : أن لا يكون فيه قصد الإضرار بأحد ، وبإرادة الشراء ، وإلا حرمت الزيادة ، لأنها من النجش . .أهـ
الضوابط الشرعية في بيع المزايدة:
أباح الشرع الحنيف بيع المزايدة ، ولم يمنعه على الراجح المشهور من مذاهب جمهور العلماء.
أولا -الأدلة النقلية: وذلك للأدلة التالية :
1- عن جابر ” أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر [قال : أنت حر بعد موتي ]. فاحتاج فأخذه النبي ﷺ . فقال : من يشتريه ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله فدفعه إليه ” . رواه البخاري ومسلم.
الحديث : بوَّب عليه البخاري : باب بيع المزايدة .
قال ابن حجر : وأجاب ابن بطال بأنّ الشاهد في الحديث بقول الرسول ﷺ من يشتريه مني قال فعرضه للزيادة ليستقضي فيه المفلس الذي باعه عليه . ” فتح الباري “
2- قال عطاء : أدركت الناس لا يرون بأساً ببيع المغانم فيمن يزيد . رواه البخاري معلقاً في كتاب البيوع ( باب بيع المزايدة ) .
ثانياً : الأدلة العقلية :
إن بيع المزايدة يعرض فيه التاجر سلعته فيطلبها المشتري بسعر كذا مثلاً فلا يرضى البائع به ، وهنا انتهى العرض والمساومة وانتهت مبادرات الصفقة . فيقول : ومن يزيد فيطلبها الثاني بسعر كذا وهكذا دواليك .
ولذلك يكون كل عرض للبيع صفقة مستقلة عن الأخرى ولا حرج في ذلك .
ثالثاً :
ذهب بعض أهل العلم على أن بيع المزايدة خاص بالمغانم والمواريث منهم الأوزاعي وإسحاق ابن راهويه مستدلين بحديث :
” نهى رسول الله ﷺ أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر إلا الغنائم والمواريث ” رواه أحمد والدار قطني والبيهقي والطبراني في ” الأوسط “.
الرد على هذا الرأي :
أن الحديث ضعيف ، فيه عبد الله بن لهيعة .
أن حديث جابر عام ، فيبقى الحكم على عمومه .
ولهذا لما قال الإمام الترمذي :
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث .
وقال ابن العربي رحمه الله :
لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك . انظر ” فتح الباري “
رابعاً :
كره بعض أهل العلم – ومنهم إبراهيم النخعي – هذا النوع من البيع ، واستدلوا بحديث سفيان ابن وهب ” سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن بيع المزايدة ” .
والرد :
الحديث : رواه البزار، وهو حديث ضعيف علته ابن لهيعة . انظر ” فتح الباري “
وقد خالف ما هو أصح منه حيث صح ذلك كما ذكرنا .
خامساً :
ولا تعارض بين المزايدة وبيع الرجل على بيع أخيه المنهي عنه بحديث أبي هريرة ” نهى رسول الله ﷺ أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ….” رواه البخاري ومسلم .
وذلك لأنّ معنى هذا الحديث : أن يتفق البائع والمشتري و يتساومان على السلعة فيأتي طرف ثالث فيغري البائع بالفسخ ، وليس المزايدة من هذا لأن البائع هو الذي فسخ البيع بقوله من يزيد . والحاضرون في المزاد دخلوا فيه وهم يعلمون بأنّ كلّ من يريد الزيادة فسيزيد.
سادساً :
الحذر من بيع (النجْـش) – بسكون الجيم – والنجش في اللغة : الإثارة ، وهو أيضاً إثارة الطائر ليقع بالفخ ، وهو إثارة المشتري ليقع بحبال البائع فيشتري بسعر مرتفع عن طريق رفع السلعة في المزاد من رجل يحضر المزاد ولا يريد الشراء وإنما يريد أن يرفع السلعة فيقول قولا يرفع فيه السلعة ولا يشتري باتفاق مع البائع أو بدون اتفاق لحديث ” نهى رسول الله ﷺ عن النجش ” رواه البخاري ومسلم.
والخلاصة : إن بيع المزاد من البيوع الجائزة في الشريعة الإسلامية وأن جواز هذا البيع مما أجمع عليه المسلمون في أسواقهم .
وعلى هذا فعقد المزايدة عقد صحيح إذا تمّ بالشّروط الشّرعية ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم ، ومما استدلوا به أيضا حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا ( بساط للأرض أو كساء لظهر الدابة ) وَقَدَحًا ، وَقَالَ : مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ}وَالْقَدَحَ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ ؟ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ . رواه الترمذي رحمه الله في سننه وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ ..
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ النَّاسِ عَنْ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ .
وفيما يلي تعريف ببيع المزايدة ، وذكر بعض ضوابطه ، وما يتعلّق به :
1- عقد المزايدة : عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع .
2- يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك ، وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد ، وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء ، وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة ، والهيئات الحكومية والأفراد .
3- إن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي ، وتنظيم ، وضوابط وشروط إدارية أو قانونية ، يجب أن لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية .
4- طلب الضمان ممن يريد الدخول في المزايدة جائز شرعاَ ، ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء ، ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز بالصفقة .
5- لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول – قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية – لكونه ثمناً له .أهـ
والغالب في مثل هذه المزايدات أن يدخل شخص لا يريد الشراء وإنما يريد أن يرفع السلعة فيقول قولا يرفع فيه السلعة ولا يشتري باتفاق مع البائع أو بدون اتفاق فهذا هو النجش الذي نهى رسول الله ﷺ عنه .ولهذا النجش صور كلها محرمة.
يقول الشيخ المنجد :
– النّجش حرام ، ومن صوره :
أ – أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة .
ب – أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ، ويمدحها ليغرّ المشتري فيرفع ثمنها .
ت – أن يدّعي صاحب السلعة ، أو الوكيل ، أو السمسار ، ادّعاء كاذباً أنه دُفع فيها ثمن معين ليدلّس على من يسوم .
ث – ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعاً اعتماد الوسائل السمعية ، والمرئية ، والمقروءة ، التي تذكر أوصافاً رفيعة لا تمثل الحقيقة ، أو ترفع الثمن لتغرّ المشتري ، وتحمله على التعاقد .أهـ
وحاصل ما قيل في النجش :
إن زيادة السعر وتنافس المساومين إن لم يكن الغرض من ذلك شراء السلعة، وكان الغرض تغرير الغير ليتوهَّم أنها تساوِي ما سمعه من الأثمان فيدفع فيها ثمنًا أعلى ليفوز بها ـ كانت المزايدة محرَّمة، ويشترك في الإثم كل من له دخل فيها ، أو علم بها ورَضِي عنها.
– أما إذا كانت المُزايدة مِن الشَّخص بقَصدِ شراء السِّلعة لا بقَصد التغرير، فلا تكون محرَّمة.