الصلاة على الشهيد الذي قتل في قتال المشركين غير واجبة، ولكنها جائزة تكريما له، وكذلك فالصلاة على الطفل مشروعة تكريما له، وتكون للذي مَات بعد أن وُلد وعاش، أما الطفل الذي وُلد ميِّتًا فإن نزل قبل مرور أربعة أشهر على بَدْء الحمل به فلا يُغَسل، ولا يُصلَّي عليه ويُلَف في خِرْقه ويُدْفن، باتفاق الفقهاء.
فإن نزل بعد أن تمَّ له أربعة أشهر فأكْثر واستهل أي ظهرت منه علامة تدل على أنه كانت فيه حياة فهذا لو مات يُغسَّل ويُصَلى عليه باتفاق، فإذا لم يَسْتَهِلَّ فقد اختلف الفقهاء في الصلاة عليه. وإليك تفصيل كلامهم كما يقول الشيخ عطية صقر-رحمه الله:
مِنَ المتَّفَق عليه بين الفقهاء أن صلاة الجنازة على الميِّت المسلم واجبة أو فرْض، والفرْض كِفَائِيٌّ، بمعني أن البعض لو صلَّي عليها سقط الطَّلب عن الباقين وذلك لأمر النبي ـ ﷺ ـ بها، ولترغيبه فيها بأنَّ مَنْ صلَّى عليها وتَبِعها حتى تُدفن كان له قيراطان من الأجر، ومن صلَّي عليها ثم رجع كان له قِيراط واحد مثل جَبَل أُحُدٍ كما رواه مسلم وغيره، ولم يُسْتثنَ من وجوبها إلا الشهيد والسِّقْط الذي نزل من بطْن أمِّه قبْل تمام حمْله في بعض الصور.
والحِكمة فيها هي تكريم الميّت ومجاملة أهله، وتوديعٌ له حين فارق أهله ودنياه، والدُّعاء أن يغفر الله له ويرحمه، حتى لو لم يكن قد اقترف إثْما ومن أجل هذا صلَّي الصحابة على النبي ـ ﷺ ـ وإن كان الله قدْ غَفَرَ لَهُ ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، والصلاة على الشهيد جائزة وإن كانت غير واجبة، ففيها تكريم ومجاملة وإن كان مغفورًا له بالنظر لِمَا رأيْناه منه، أما الحقيقة فهي عند الله وحده، والطفل الذي لم يُكلَّف يُصلَّى عليه للتكريم لابن آدم وللمجاملة، وفي الدعاء المفروض في الصلاة يُدْعَى لأهله بالصبر، فقد روى البخاري والبيهقي أن الحسن البصري كان يقول في الصلاة على الطفل: اللهم اجعله لنا سَلَفًا وَفَرَطًا وذُخْرًا.
قال النووي: إن كان الميت صبيًّا أو صبيَّة يُقتصر على ما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأصحاب السنن: ” اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذَكَرِنا وأُنْثَانا، وشاهدِنا وغائبِنا، اللهمَّ مَنْ أحْيَيْته منَّا فأحْيه على الإسلام، ومَنْ تَوَفَّيْتَه منا فتوفِّه على الإيمان، اللهمَّ لا تحرمنا أجْره ولا تُضلَّنا بعده”، ويضم إلى ذلك: اللهم اجعله فَرَطًا لأبوَيه وسلَفًا وذُخرًا وعِظة واعتبارًا وشفيعًا، وثقِّل به موازينَهما، وأفْرغ الصبر على قلوبهما ولا تَفْتنْهما بعدَه ولا تحْرمهما أجره.
هذا في الطِّفل الذي مَات بعد أن وُلد وعاش، أما الطفل الذي وُلد ميِّتًا فإن نزل قبل مرور أربعة أشهر على بَدْء الحمل به فلا يُغَسل، ولا يُصلَّي عليه ويُلَف في خِرْقه ويُدْفن، وهذا ما اتَّفق عليه جمهور الفقهاء.
فإن نزل بعد أن تمَّ له أربعة أشهر فأكْثر واستهل أي صاح أو عطس أو ظهرت منه علامة تدل على أنه كانت فيه حياة فهذا لو مات يُغسَّل ويُصَلى عليه باتفاق، فإذا لم يَسْتَهِلَّ فلا يُصلَّي عليه عند الحنفية والمالكية لحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي أن النبي ـ ﷺ ـ قال: ” إذا استهلَّ السِّقْط صُلِّيَ عليه وَوَرِثَ”، فاشتَرط الحديث الاستهلال لأجل الصلاة عليه، أما الحنابلة فيرَوْن الصلاة عليه، لحديث رواه أحمد وأبو داود جاء فيه: ” والسِّقْط يُصَلى عليه ويُدْعي لوالديه بالمغفرة والرحمة”، فلم يقيِّد الحديث السِّقْط بالاستهلال، فيُصَلي عليه؛ لِأَنَّه نسمة نُفِخت فيها الروح فيُعطى حكم المُستهِل في الصلاة عليه، وقال الحنابلة: إن الحديث الذي اشتَرط الاستهْلال مضطرب ومعارَض بما هو أقوى منه فلا يَصلُح لأن يكون حُجَّة. وجاء في فقه المذاهب الأربعة عند الكلام على غُسل الميت الذي يتصل بالصلاة عليه أن الحنفية قالوا: إن السِّقط إذا نزل حيًّا بأن سُمع له صوت أو رؤيت له حركة وإن لم يَتمَّ نزوله وجب غُسله، سواء كان قبل تَمَام مدَّة الحمل ـ وهي ستة أشهر ولحظتان ـ أو بعدها. أما إذا نزل ميتًا فإن كان تامَّ الخَلْق فإنه يُغَسل كذلك، وإن لمْ يكن تامَّ الخَلْق بل ظَهَر بعض خَلْقِه فإنه لا يُغَسل الغُسْل المعروف، وإنَّما يُصب عليه الماء ويُلف في خِرْقة وعلى كل حال فإنه يُسَمى لأنَّه يُحشر يوم القيامة. والمَالِكيَّة قالوا: إذا كان السِّقْط محقَّق الحياة بعد نزوله بعلامة تدل على ذلك كالصُّراخ والرَّضاع الكثير الذي يقول أهل المعرفة إنَّه لا يَقع مِثْلُه إلا مِمَّن فيه حياة مُستقرَّة وَجَبَ تَغْسيله، وإلا كُره. والحنابلة قالوا: السِّقْط إذا تمَّ في بطن أمه أربعة أشهر كاملة ونزل وجب غُسله، وأما إنْ نَزَل قبل ذلك فلا يَجب غُسله. والشافعية قالوا: إن السِّقْط النازل قبل عدَّة تمام الحمل ـ وهي ستة أشهر ولحظتان ـ إما أن تُعلم حياته فيكون كالكبير في افتراض غُسله، وإما ألا تُعلم حياته، وفي هذه الحالة:
إما ألا يكون قد ظهر خَلْقُه فيجب غُسله أيضًا دون الصَّلاة عليه، وإمَّا أن يظْهر خَلْقه فلا يُفترض غُسله، وأما السِّقط النَّازل بعد المدَّة المذْكورة فإنَّه يُفترض غُسله وإن نزل ميتًا، وعلى كل حال فإنه يُسن تسميتُه بشرط أن يكون قد نُفِخت فيه الروح.
ولتوضيح صلاة الجنازة على الشَّهيد ـ وهو الذي قُتل في معركة بين المسلمين والكافرين ـ نقول: قد وَرَدَت أحاديث صحيحة تُصرح بعدم الصلاة عليه، منها ما رواه البخاري أن النبي ـ ﷺ ـ أَمَر بدفن شهداء أُحُدٍ في دمائهم ولم يُغِسلْهم ولم يُصلِّ عليْهم كما قال جابر، كما وَرَدَت أحاديث أخرى صحيحة تُصرح بأنه يُصلَّى عليْه، مِنْها ما رواه البخاري أن النبي ـ ﷺ ـ خرج يَوْمًا فصلَّى على أهل أُحُدٍ صلاته على الميِّت بعد ثَمَانِ سِنين كالمُوَدع للأحياء والأموات. لكنْ يَرِد عَلى هذا الحديث بأنَّ الكلام في الصلاة على الشَّهيد قبل الدَّفْن، وروي البيْهقي حديثًا مرسلًا ـ سَقَطَ مِنْه الصحابي ـ عن أبِي مالك الغِفَاري قال: كان قَتْلَى أُحُدٍ يُؤْتَي منهم بتسعة وعاشرهم حمزة فيُصلِّى عليهم رسول الله ـ ﷺ ـ ثم يُحملون ثم يُؤتَي بتسعة فيُصلِّى عليهم وحمزة مكانه حتى صلَّي عليهم الرسول ـ ﷺ ـ وحديث جابر أصح من حديث أبي مالك الغفاري.
ومن هنا قال ابن حزم يجوز أن يصلَّى على الشهيد وألا يصلَّى عليه، فإن صُلِّي عليه فحسن، وإن لم يصلَّ عليه فحسن، وهو إحدى الروايات عن أحمد، واستصوب ابن القيم هذا الرأي وقال: والأظهر من أمر شهداء أُحد أنه لم يُصلَّ عليهم عند الدفن، وقد قُتل معه بِأُحُدٍ سبعون نفسًا فلا يجوز أن تَخفي الصلاة عليهم.
وحديث جابر في ترك الصلاة عليهم صحيح، لأن أباه عبد الله كان أَحَدَ القتلَى يومئذ فعنده من الخبر ما ليس عند غيره.
ويرجِّح أبو حنيفة وجوب الصلاة علي الشهيد، ويرجِّح مالك والشافعي وأحمد في رواية عدم وجوب الصلاة عليه. ومع كون الصلاة على الشهيد غير واجبة فإنها تجوز ولا تَحْرُم لعدم الدليل على المنع، وللحديث الذي رواه البيهقي.
هذا في الشهيد الذي قُتل في المعركة بين المسلمين والكافرين، أما الشَّهيد في غير ذلك كالمبْطون وبقية شهداء الآخرة المذكورين في الأحاديث فيُغَسلون ويُصلَّى عليهم. “.