يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
بعض الناس يرتابون في صحة الحديث بل ينكروه، نقول لهم بل هو صحيح السند ، رواه مسلم في صحيحه ومعناه بما لا شبهة فيه كما يأتي .
أما لفظ مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً فهو : وعن أبي أيوب بلفظ : ( لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم) وبلفظ آخر بمعناه، وفي الجامع الصغير عن ابن عباس عند الإمام أحمد وحسنه ( لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون ليغفر لهم ).
وأما معنى الحديث : فهو أن من شئون رب العالمين خالق العباد وملكهم أنه غفور رحيم للمذنبين التوابين منهم ، كما أن من شئونه العقاب للعاصين ، والقصاص من الظالمين للمظلومين ، فلا بد أن تجري جميع شئونه في خلقه ، وأن يظهر تعلق صفاته في متعلقاتها من العالم ، كالعلم في المعلومات ، والقدرة في المقدورات ، والسمع في المسموعات ، فكما تتعلق هذه الصفات الإلهية بمتعلقاتها تتعلق صفة المغفرة بمتعلقاتها ، والعالم كله مظهر صفات الله تعالى وأسمائه في الدنيا والآخرة ، وهذا لا يقتضي الحث على الذنب لأجل التعرض لتعلق المغفرة بالمذنب ؛ لأن المغفرة لا تتعلق بكل مذنب بل من المذنبين من يعاقب على ذنبه كما علم من النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة وهي معلومة من الدين بالضرورة ، ومنهم من يغفر له كما علم من هذا الحديث وغيره .
وما أحسن قول أبي الحسن الشاذلي في هذا المقام : ( وقد أبهمت الأمر علينا لنرجو ونخاف ، فأمّن خوفنا ولا تخيّب رجاءنا )، على أن ما يستحق المذنب به المغفرة مبين في الكتاب الحكيم ، قال تعالى : [ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ]( طه : 82 ) وقال تعالى في بيان استغفار الملائكة للمؤمنين: [ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ ]( غافر : 7 ) إلخ وفي رواية أبي هريرة للحديث المسئول عنه ما يشير إلى ذلك فإن المراد بالاستغفار ما يكون أثر التوبة.