يقول الشيخ الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس- :
من المعلوم أن صلاة التراويح سنة ثابتة عن رسول الله – ﷺ – وكان هديه – ﷺ – أن يصلي إحدى عشرة ركعة كما ثبت ذلك عنه في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:(ما كان رسول الله – ﷺ – يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) رواه البخاري ومسلم. وأكثر الفقهاء يرون أنها تصلى عشرون ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا قول مشهور من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا الحاضر وكثير من مساجد المسلمين تصلى فيها التراويح كذلك ومنهم من زاد على العشرين فقيل تسع وثلاثين وقيل إحدى وأربعين وقيل غير ذلك. ومن أهل العلم من يرى أنه لا حد لعدد ركعات صلاة التراويح فيجوز أن يزيد على إحدى عشرة ركعة ولا حرج في ذلك وهذا أرجح أقوال أهل العلم فالنبي – ﷺ – لم يحدد عدداً محدوداً لصلاة التراويح تمنع الزيادة عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله:[ كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي – ﷺ – فيه عدداً معيناً بل كان هو – ﷺ – لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة ولكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر – رضي الله عنه – على أبي بن كعب – رضي الله عنه – كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن… ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي – ﷺ – لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 22/272.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله:[والحاصل أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشبهها هو مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصر الصلاة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة] نيل الأوطار 3/61.
إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز لأحد أن ينكر على من يصلي التراويح بأكثر من إحدى عشرة ركعة كمن يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة فإن الأمر فيه سعة.
قال الإمام الشافعي يرحمه الله:[رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق].
وقال الحافظ ابن عبد البر يرحمه الله:[وقد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدراً في صلاة الليل وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلَّت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود] الاستذكار 5/244.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني يرحمه الله:[… والأعداد الأخرى سوى الإحدى عشرة أُثرت عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والقاعدة عندهم في ذلك أنهم كانوا إذا أطالوا القراءة قللوا عدد الركعات وإذا أخفوا القراءة زادوا في عدد الركعات] فتح الباري.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله:[وإن أوتر بثلاث وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة رضي الله عنهم في بعض الليالي من رمضان فلا بأس، فالأمر واسع، وثبت عن عمر والصحابة أيضاً أنهم أوتروا بإحدى عشرة، كما في حديث عائشة، فقد ثبت عن عمر هذا وهذا، ثبت عنه – رضي الله عنه – أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثاً وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في هذا، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله – ﷺ -:(صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى).
ولكن الأفضل من حيث فعله – ﷺ – إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وسبق ما يدل على أن إحدى عشرة أفضل لقول عائشة رضي الله عنها:(ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) يعني غالباً، ولهذا ثبت عنها أنه صلى ثلاث عشرة وثبت عن غيرها، فدل ذلك أن هذا هو الأغلب، وهي تطلع على ما كان يفعله عندها وتسأل أيضاً فإنها كانت أفقه النساء وأعلم النساء بسنة الرسول الله – ﷺ – وكانت تخبر عما يفعله عندها وعما تشاهده وتسأل غيرها من أمهات المؤمنين ومن الصحابة، وتحرص على العلم، ولهذا حفظت علماً عظيماً وأحاديث كثيرة عن رسول الله – ﷺ – بسبب حفظها العظيم وسؤالها غيرها من الصحابة عما حفظوا رضي الله عن الجميع.
وبعض المصلين يرون أن هذه هي السنة، وعندما يأتون إلى مساجد تصلي ما يزيد على ثلاث وعشرين ركعة يصلون إحدى عشرة ركعة أو عشر ركعات ولا يتمون مع الإمام؟
يوضح الشيخ رحمه الله قائلاً: السنة الإتمام مع الإمام ولو صلى ثلاثاً وعشرين، لأن الرسول – ﷺ – قال:(من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة) … فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، سواء صلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو ثلاثاً وعشرين، هذا هو الأفضل؛ أن يتابع الإمام حتى ينصرف والثلاث والعشرون فعلها عمر- رضي الله عنه – مع الصحابة، فليس فيها نقص وليس فيها خلل، بل هي من السنن، من سنة الخلفاء الراشدين…].
وقال العلامة عبد العزيز بن باز:[ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة.وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله- ﷺ – على صلاة الليل موسع فيها فليس فيها حد محدود لا تجوز مخالفته بل ثبت عنه أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وربما صلى ثلاث عشرة ركعة وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره ولما سئل – ﷺ – عن صلاة الليل قال:(مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) متفق على صحته. ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر – رضي الله عنه -في بعض الأحيان ثلاثاً وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة كل ذلك ثبت عن عمر – رضي الله عنه – وعن الصحابة في عهده. وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستاً وثلاثين ركعة ويوتر بثلاث وبعضهم يصلى إحدى وأربعين ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم كما ذكر رحمة الله عليه أن الأمر في ذلك واسع] .
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله:[… لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد فيقول لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنة وينكر أشد النكير على من زاد على ذلك ويقول إنه آثمٌ عاصٍ وهذا لا شك أنه خطأ وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي – ﷺ – عن صلاة الليل؟ فقال:(مثنى مثنى) ولم يحدد بعدد ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى وليس ممن خدم الرسول – ﷺ – حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته فإذا كان النبي – ﷺ – بين له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد علم أن الأمر في هذا واسع وأن للإنسان أن يصلي مئة ركعة ويوتر بواحدة.
وأما قوله – ﷺ -:(صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا ليس على عمومه… وإنما المراد (صلوا كما رأيتموني أصلي) في الكيفية أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده.وعلى كلٍ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا من يبدعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول – ﷺ -:(من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتتقطع الصفوف بجلوسهم وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين وكل هذا من الخطأ ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير وأنهم مجتهدون لكن ليس كل مجتهد يكون مصيباً] الشرح الممتع 4/73-74.