عدد من النساء المسلمات المُقيمات في بلاد الغرب، واللاتي انتهت بهنَّ ظروف مختلفة إلى الابتعاد عن الإسلام جهلاً وتغريبًا، من خلال انقطاع جيل سابق من آبائهن عن الإسلام، وترْكهن في مجتمع الغرب بلا انتماء حقيقي أو عقيدة، فاعتدْن هذا النمط من الحياة ونَشأْن عليه.
وعندما وجدْن شريكًا للحياة وارتحْن له وأحببْنه اقترنَّ به من غير أن يفكِّرن في اختلاف الدين، أو هل الشرع يجيز لهم هذا الزواج.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا ـ أستاذ الشريعة بجامعة سوريا والجامعات العربية رحمه الله :
إن هذه المُشكلات هي الفارق الأساسي بين حياة المسلمين في دار الإسلام، وحياة الكَفَرة في بلادهم الأجنبية. فإذا كان الحل المطلوب هو أن يسمح للمسلم أن يعيش في البلاد الأجنبية كما يعيش أهلُها الكفرة؛ لأن في الالتزام بالسلوك الإسلامي تلك المشقَّات المادية والمعنوية التي يعانيها المسلم، لا يَبقى عندئذ فرْق بين الإسلام وغيره إلا في مجرد اسم المسلم الذي لا يَبقى له مدلول عملي، مع أن الفارق الأساسي بين المسلم والكافر إنما هو في السلوك النظيف الطاهر الإسلامي.
أما المشقَّة التي يواجهها المسلم؛ فإنها المشقة التي لا يخلو عنها التكليف، فأي معنى يبقى للمسلم إذا كان يعيش في البلاد الأجنبية مثل أهلها الكفرة؟!
أما عن زواج المسلمة بغير مسلم فهذا لا مجال لتسْويغه بحال أصلاً لقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) البقرة 221 .وقوله ـ عز وجل ـ: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهَنَّ) الممتحنة آية 10 وعلى ذلك أجمع فقهاء الإسلام.
ولكني أرى من الممكن ـ بالنظر الاستصلاحي ـ أن نُميِّز بين امرأة مسلمة تتزوج بغير مسلم من أهل الكتاب (نصراني أو يهودي) غير آبِهَةٍ ولا مُكْتَرِثَة باختلاف الدين، وبين امرأة كتابية متزوجة أسلمت ولها أولاد، ولم يتْبعها زوجها بالإسلام.
فهذه الثانية لا يَحل لها البقاء مع زوجها دون أن يُسلم، ولكن من الممكن أن لا يُحكم شرعًا ببَيْنُونَتِها فوْرًا إذا أبى زوجها الإسلام، فقد حصل في عهد الرسول ـ ﷺ ـ أن ابنته زينب كانت متزوِّجة قبْل البَعثة برجل من وجوه قريش اسمه أبو العاص ابن الربيع وهو مشرك، واشترك مع المشركين في غزوة بدر فأسره المسلمون، وأطلق رسول الله ـ ﷺ ـ سراحه من الأسْر وأخذ عليه العهد أن يُخلِّي سبيل زينب، ففعل ووفَّى بما وعد.
وخرج أبو العاص بتجارة إلى الشام، ولما رجع لقيَتْه سرية رسول الله ـ ﷺ ـ وأصابوا كلَّ ما في القافلة، وهرب أبو العاص، وأقبل في الليل حتى دخل على زينب، فاستجارها فأجارته، وفي صلاة الفجر نادت زينب ـ رضي الله عنها ـ في المسجد بأنها أجارت أبا العاص بن الربيع، وقال رسول الله ـ ﷺ ـ لابنته زينب: “أكْرِمي مثْواه، ولا يَخلُصنَّ إليك فإنك لا تَحلِّين له” ثم رجع أبو العاص زوجها إلى مكة، وصفَّى علاقاته، ورد الودائع إلى أصحابها، ثم رجع إلى المدينة مسلمًا، فعاد إلى زوجه زينب، ولم يُنقل أن النبي ـ ﷺ ـ جدَّد له النكاح على ابنته.
فالتريُّث فيمن أسلمت وأبى زوجها الإسلام، بأمل أن ينْشرح له صدره فيما بعد، يمكن أن يكون له وجه بصورة مؤقَّتة تحت هذا الأمل، ولكنَّ المعاشرة الزوجية (الجنسية) على كل حال غير جائزة.