حج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إليه سبيلا، أي إذا كانت له القدرة المادية والصحية على أداء هذه الفريضة.
الأصل أن يكون رمي الجمرات أيام التشريق بعد الزوال ، ولكن أجاز بعض الفقهاء أن يكون الرمي قبل الزوال ، لشدة الزحام ، وهذا من باب التيسير والتخفيف على الناس في الفتوى، والله تعالى قد رفع التعسير عن الناس ، “ما جعل عليكم في الدين من حرج”، فلا بأس بالرمي قبل الزوال .
قال فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله : لا زال كثير من العلماء يُفتون الناس بعدم جواز الرمي قبل الزوال بحال، مع أن النبي ـ ﷺ ـ يَسَّر في أمر الحج، وما سُئِلَ عن أمر قُدِّم ولا أخِّر فيه، إلا قال: “افعل ولا حرج” والفقهاء سهَّلوا في أمر الرمي حتى أجازوا أن يجمع الحاجُّ الرَّمْيَ في اليوم الأخير، وأجازوا الإنابة فيه للعذر، وهو أمر يتم بعد التحلُّل النهائي من الإحرام.
وقد أجاز الرميَ قبل الزوال ثلاثةٌ من الأئمة الكبار: فقيه المناسك عطاء، وفقيه اليمن طاووس، وكلاهما من أصحاب ابن عبَّاس، وأبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين من فقهاء آل البيت.
ولو لم يَقُلْ فقيه بجواز ذلك لكان فقه الضرورات يُوجِبُ علينا التسهيل على عباد الله، وإجازة الرمي خلال الأربع والعشرين ساعة حتى لا نُعرِّض المسلمين للهلاك.
وجزى الله الشيخ عبد الله بن زيد المحمود خيرًا، فقد أفتى منذ أكثر من ثلث قرن بجواز الرمي قبل الزوال في رسالته “يُسْر الإسلام”. انتهى
وقال الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقا – رحمه الله – أستاذ الفقه والأصول بجامعات سوريا والجامعات العربية في رده على مثل هذا السؤال :
رمي الجمرات يكون في الأيّام الأربعة كلّها من الصّباح قبل الزوال في مختلف الاجتهادات، ولو في غير يوم النّفر للمستعجِل وغيره؛ لأن في الرمي قبل الزوال تيسيرًا كبيرًا على الناس حتى على غير المستعجِل لأجل النفر، فإن الماكِث أيضًا قد يحتاج إلى التبكير في الرمي اجتنابًا للزِّحام الشّديد في الحَرّ الشديد، ولا يخفَى أن المكلَّف عليه أن يتبع أحد المذاهب المُعتبرة ، ويتقبّل الله تعالى منه، فإن الدين يُسر بنصِّ الحديث الثابت.
وتفصيل ذلك فيما يلي :ـ
وقت رمي جمرة العَقبة:
رمي جمرة العقبة يبدأ من فجر اليوم الأول، أي: يوم الأضحى بالإجماع، سوى أنّه عند الشّافعية يبدأ من منتصَف ليلة العيد، ويستمرُّ إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهو اليوم الرابع، فيرميها الحاج ليلًا أو نَهارًا، ويكون كلُّ ذلك أداءً عندهم.
وعند الحنفيّة يستمرُّ وقته من فجر اليوم الأول إلى فجر اليوم الثاني، والأفضل عدم تأخيره عن وقت الزّوال من اليوم الأول، ويُباح تأخيره إلى الغروب، ويُكرَه بعده.
رمْي الجمرات الثلاث:
رمي الجمرات الثلاث بعد اليوم الأول، يبدأ وقته من زوال كل يوم إلى فجر اليوم التالي في معظم المذاهب.
إلا أنه عند الشافعية يَبدَأ وقت الرَّمي في كل يوم بزوال الشمس فيه، ويستمر وقته إلى الغروب من آخر أيام التشريق، ولكنْ لا يصحُّ الرمي عن يوم إلا بعد الرمي عما قبله.
وعند أبي حنيفة أن اليوم الرابع من أيّام العيد، وهو يوم النفر الأخير يبدأ وقت الرّمي فيه من الفجر حتى غروب الشمس، فيستطيع المتعجِّل أن يرميَ قبل الزوال وينفرَ.
وقال إسحاق: إن يوم النَّفر الأول (وهو الثالث) هو كالرابع يبدأ الوقت فيه لأجل الرمي من الفجر أيضًا، تسهيلًا لمَن يُريد النّفر فيه (كما في نيل الأوطار للشوكاني).
أما اليوم الثاني من أيّام العيد، فالجمهور على أن وقت الرمي فيه يبدأ من الزوال، فلا يصحُّ الرمي فيه قبل الزوال، لأنه لا نفرَ فيه.
ولكن خالَف في ذلك الإمام الباقر محمد بن علي من آل البيت (كما في بداية المجتهد)، وكذا الإمام الناصر من الزّيديّة (كما في البحر الزخار) وكذا من التابعين عطاء وطاووس (كما في نيل الأوطار) فقال هؤلاء جميعًا: إن الوقت في اليوم الثاني أيضًا يبدأ من الفجر، فيرمي قبل الزوال مُطلقًا.
وفي قول آخر عند الحنفيّة أيضًا غير القول المشهور: أنّ اليومين الثاني والثالث أيضًا يجوز الرّمي فيهما قبل الزّوال.