يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :

….من القضايا الأصولية المهمة هنا : بيان دلالة الأمر والنهي في السنة، فالرأي السائد أن الأمر كله للوجوب، والنهي كله للتحريم، إلا ما صرفه صارف، ولكن الأصوليين ذكروا في المسألة عدة أقوال، أوصلها الإمام الزركشي في “البحر المحيط” في صيغة الأمر “افعل” إلى اثني عشر قولاً، فصَّلها واحدًا بعد الآخر. (انظر: البحر المحيط ج2/365 ـ 370 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت)

الحادي عشر منها : التفريق بين ما جاء في القرآن، وما جاء في السنة من أمر.

فما جاء في القرآن من أمر الله يدل الأمر فيه على الوجوب، إلا لقرينة مانعه.

وما جاء في السنة دل الأمر فيه على الاستحباب، إلا لقرينة تدل على غير ذلك.

قال العلامة الشنقيطي في مراقي السعود:

و”افعل” لدى الأكثر للوجوب              وقيل: للندب، أو المطلوب

وقيل: للوجوب أمر الرب               وأمر من أرسله للندب

وهذا في غير ما جاء من الأوامر النبوية موافقًا لأمر قرآني، أو مبينًا لمُجمَل فيه.

حُكِيَ هذا القول عن الأبهري من المالكية، وكان يستدل له بأن المسلمين فرَّقوا بين السنن والفرائض، فأضافوا السنن على الرسول ـ ـ وأضافوا الفرائض إلى الله تعالى.

وما يقال في الأمر يقال في النهي، فالأصل في النهي في القرآن: أنه للتحريم، ما لم يصرفه صارف، وفي السنة: أنه للكراهة، ما لم يمنعه مانع.

وأنا أرجِّح هذا القول، وأرى استقراء الأوامر والنواهي في السنة الشريفة يسنده ويعضده. وليس ذلك بمثال أو مثالين، بل بعشرات الأمثلة، ولعلي أكتب في هذا بحثًا مفصلاً، إن شاء الله تعالى. ويكفي أن أحيل القارئ على كتاب مشهور معتمد لدى أهل العلم، هو “رياض الصالحين” للإمام النووي، فمن تتبع أبواب الاستحباب فيه وأبواب الكراهة، تَبيَّن له أنه اعتمد الأمر النبوي للاستحباب والندب، كما جعل مجرد النهي دالًّا على الكراهة، أما الوجوب في الأمر أو التحريم في النهي فلا يكون إلا بقرينة. وهذا واضح لكل من يقرأ “الرياض” بتأمل. وأعتقد أن أحدًا لا يتَّهم النووي بالترخص أو التهاون في أمر الدين.