دعوة المسلم لأخيه المسلم والاستغفار له بظهر الغيب ، أمر مشروع حيث فعله النبي – ﷺ – وطلبه من الصحابة الكرام .
يقول الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله تعالى – مفتي المملكة العربية السعودية سابقا:
يستحب للمؤمن أن يدعو لإخوانه المؤمنين بالمغفرة والرحمة والصلاح والاستقامة والتوفيق والهداية، فالمؤمن أخو المؤمن.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71]،
ويقول جل وعلا: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد الصحابة يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10] فدعوا لأنفسهم ولمن سبقهم من إخوانهم.
والله يقول جل علا: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19].
ونوح عليه الصلاة والسلام يقول: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [نوح:28] فهذا من نصح الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون الله لمن آمن من أمتهم ويسألون الله الهداية لمن يؤمن.
والنبي ﷺ قيل له: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19] فالمؤمن يستغفر لإخوانه لوالديه لأقاربه لجيرانه لأحبابه، يدعو لهم بالمغفرة ربما صادف دعوة مستجابة.
وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: “ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل: آمين ولك بمثله” فدعوة المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب مستجابة.
فأنت أيها المسلم على خير إذا دعوت لأخيك تنفعه وتنفع نفسك، الملك يؤمن ويدعو لك يقول لك: ولك بمثله، فإذا قلت اللهم اغفر لفلان، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم يسر أموره، اللهم ارزقه الذرية الصالحة، الزوجة الصالحة، العلم النافع، تدعو لأخيك بما تراه مناسبا، والملك الموكل يقول: آمين ولك بمثله، وهذا في الحقيقة إنما يقع من أصحاب القلوب السليمة الراغبة في الخير المحبة للخير فإنها تعتني بهذه المسائل لما في قلوبها من الرقة والمحبة والرغبة فيما عند الله والنصح لعباد الله، فيدعو لنفسه ويدعو لإخوانه المسلمين وفق الله الجميع.
يقول فضيلة الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :
إذا كان المراد من الاستغفار هو الدعاء ورجاء الخير من الله ـ عز وجل ـ فإنه يجوز للإنسان عن نفسه، ويجوز له أن يستغفر لغيره، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى ذلك.
ففي سورة الأعراف عن موسى: (قالَ ربِّ اغفرْ لي ولأخِي وأدْخِلْنَا في رَحْمَتِكَ وأَنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). (الآية:151 ).
وجاء في سورة غافر في شأن الملائكة: (الذينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ).(الآية:7).
وجاء في سورة الشورى: (والمَلائِكَةُ يسبحون بحمد ربهم ويستغفرونَ لِمَنْ في الأرْضِ ألاَ إنَّ اللهَ هُوَ الغفورُ الرحيمُ) (الآية:5).
وجاء في سورة الحشر: (والذين جاءوا مِنْ بعدهم يقولونَ ربنا اغفرْ لنا ولإخوانِنَا الذينَ سَبَقُونَا بالإيمانِ ولا تجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ للذينَ آمنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ). (الآية:10).
وجاء في سورة نوح على لسان نوح: (ربِّ اغفرْ لِي ولِوَالِدَيَّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وللمُؤمنينَ والمُؤمناتِ ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إلاَّ تَبَارًا) (الآية:28).
ورَوى مسلم وأبو داود كذلك أن صفوان بن عبد الله قال: قدمتُ الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء ، فقالت: أتريد الحج العام؟ قلت: نعم. قالت: فادع الله لنا بخيرٍ، فإن النبي ـ ﷺ ـ كان يقول: دعوة المسلم لأخيهِ بظَهْرِ الغيب مُستجابةٌ، عند رأسه مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كلمَّا دعا لأخيهِ بخيْرٍ قالَ المَلَكُ الموكَّلُ بهِ: “آمِينَ ولكَ بمِثْلٍ” (أي وأدعو لك بمثل ذلك) . قال: فخرجتُ إلى السوق فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك عن النبي ـ ﷺ.
ويَتَبَيَّنُ لنا من هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أن استغفار المسلم لغيره من أهل المغفرة أمر مشروع، ولا مانع منه.