من أكبر الجرائم في حق النفس ، وفي حق الله تعالى ؛ جريمة الكفر بعد الإيمان ، فإذا ما تاب المرتد ورجع إلى الإسلام ، تقبل توبته ، أما إذا أصر على ردته ، وبين له العلماء ردته ، وخطورتها ، واستتابوه ولم يتب ، حل قتله حدا.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :

إن أفظع الجرائم في حق الله تبارك وتعالى هو الكُفر بعد الإيمان، أو الضلالة بعد الهُدى، وإنَّ أكبر الكبائر هي كبيرة الارتداد عن دين الله ـ جل جلاله ـ بعد أن ارتضاه الإنسان عقيدة وشريعة، وإذا كان الله ـ سبحانه ـ يقول في سورة النساء: (إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (الآية:48)، فإن الارتداد لا يقل شناعة ولا بشاعة عن الإشراك والكفران؛ والله ـ سبحانه ـ يقول في سورة محمد: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ) (الآية:25).

والحق ـ عَزَّ شأنه ـ يُهَدِّدُ الذين أسلموا، ويُحذرهم الارتداد والانتكاس، ليثبتوا على الإسلام، ويَحذروا الرِّدة، فيقول لهم في سورة البقرة: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الآية:217).

وجملة: “فيمت وهو كافر” نفهم منها أن هذا العقاب الأليم للمرتد، مشروط بشرط، وهو أن يظل على ارتداده وكفره حتى يموت، ولكن إذا راجع نفسه، وفاء إلى ربه، وصدق في ندمه على جريمته، وأخلص لله التوبة والاستغفار، فإنه لا يتعرض لهذا العقاب الشديد، تفضلًا من الله ونعمة.

ولذلك قال الفقهاء إن المرتد يُستتاب، أي نطلب منه أن يتوب ويعود إلى الإسلام، فإن تاب أطلقنا سَرَاحَه، وإلا أُقِيم عليه حَدُّ المرتد، وهو القتل، لقول رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ: “من بَدَّل دينه فاقتلوه”، وفي حديث آخر قال: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث”.. أي بواحدة من جرائم ثلاث، وذكر في أولها قوله: “وكُفر بعد إيمان”.

ويقول الإمام الشافعي: إن من يرتد عن الإسلام، ثم يتوب صادقًا ويعود إليه، فإن عمله الحسن قبل الارتداد لا يفسد عليه ولا يضيع.

وفي كتب التفسير: إن أولئك المرتدين الباقين على ارتدادهم هم الذين بطلت أعمالهم وفسدت في الدارين، كما جاء في آية سورة البقرة التي سبقت، حتى كأن أحدهم لم يعمل صالحًا قط؛ لأن الرجوع عن الإيمان إلى الكفر يُشبه الآفة التي تُصيب المخ والقلب فتذهب الحياة، فإن لم يمت المُصاب بعقله وقلبه، فهو في حكم الميت لا ينتفع بشيء، وكذلك الذي يقع في ظلمات الكفر بعد أن اهتدى إلى نور الإيمان تفسد روحه، ويظلم قلبه، فيذهب من نفسه أثر الأعمال الصالحة الماضية، ولا يُعطى شيئًا من أحكام المسلمين الظاهرة، فيخسر الدنيا والآخرة.

ولكن حبوط الأعمال مشروط بالموت على الكفر، فإذا ارتد المسلم مدة، ثم عاد عودة صحيحة، وتاب توبة صادقة بعناصرها وشروطها، فإن أعماله لا تضيع، والله يتفضل عليه بقبول توبته، وهو صاحب الفضل العظيم.

والله أعلم.