من الأمور التى أجمع العلماء على كراهتها تعلية القبور وإقامة القباب عليها .

يقول فضيلة الشيخ “أحمد حسن الباقورى” رحمه الله من علماء الأزهر :

إن هذا العمل ضرب من الوثنية وعبادة الأشخاص، وقد منعه الإسلام، ونهى عنه النبي (صلى الله عليه وسلم)، وحثّ على تركه.

فقد روي عن جابر (رضي الله عنه) أنه قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “أن يُجصص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه”.

وقال علي (رضي الله عنه) لأحد أصحاب النبي – وهو يوصيه -: “ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا إلا سويته”.

وإذا كان المسلمون- اليوم- يتخذون من تزيين القبور مجالاً للتفاخر والتظاهر، ويمضي بعضهم في هذا الشطط؛ حتى يقيم الضريح على القبر، إظهارًا للميت بأنه من أولياء الله، أو بأنه من سلالة فلان أو فلان، واستغلالاً لهذه الرابطة على حساب الدين، فإن ذلك حرام في حرام.

أما إقامة مرافق بجوار القبور؛ كالسبيل، والمسجد، والاستراحة، فإن الإسلام يكره مزاحمة القبر، والتضييق عليه.

هذا إن كانت تلك المرافق على أرض خاصة بالمنشِئ.

أما إذا كانت على أرض عامة للدفن، فيحرم شرعًا شغلها بأي بناء آخر سوى القبور، وفي الأرض متسع لتلك المرافق، فيما يجاور أو يقرب منها.

وأما وضع الأصص والرياحين عند القبور أو حولها، فلا مانع منه، ولكن الأشجار حكمها حكم المرافق، تُكره في المدافن الخاصة، وتُحرّم في المدافن العامة، لمزاحمتها للقبور، ولا يجوز التضييق على الموتى، راحة للأحياء، وتنعيمًا لهم.

بقي موضوع إضاءة القبور، إشادة بها وبأصحابها. وهذا ليس من الدين في شيء؛ لأن الذي يضيء القبر هو عمل الميت وما ادخر من صالح وطيب، لا تلك القناديل أو الشموع أو الثريات، التي أقامها الأحياء من ورثة الأغنياء.

إن الإسلام دين المساواة بين الأحياء، فكيف يفرق بين الموتى في أشكال القبور ومظاهرها؟!

ثم إن الإسلام يقرر أن القبر وَقْف على الميت، وأن على الذين يدفنون الميت أن يضعوا على القبر ما يشير إليه؛ لكيلا يقع من الحي اعتداء على مكان أخيه الميت، فيتركه له، بعد ما ترك هذه الدنيا جميعها، واستقر في حفرة صغيرة.

فإذا جاء الأغنياء، فأقاموا لموتاهم الأضرحة والقباب، وأضاؤوها، وحفوها بالحدائق أو بالأشجار، فإن الإسلام لن يقيم لهم وزنًا.

بل سيحاسبهم على ما أسرفوا وأضاعوا من أموال، وعلى ما اجترؤوا على الله، من مظاهر القربى الكاذبة الخداعة.

وقد كان من ترسل الأغنياء في إقامة الأضرحة والقباب، أن انصرفوا عن الجوهر إلى المظهر.

فشمخت القباب والأضرحة في أنحاء العالم الإسلامي، وتسابقت المآذن ذاهبة في الجو، وأقيمت الموالد تكريمًا للمقبورين.

كل هذا اكتفاء بأنه يؤدي عند الله ما قصرت عنه أنفسهم من صلاة أو صوم أو حج أو زكاة.

ونتج عن ذلك أن عظّم المسلمون أصحاب الأضرحة الكبيرة، والقباب العالية، واستهانوا بغيرهم من ذوي القبور المعتادة.

ويقول فضيلة الشيخ “محمد الغزالى” رحمه الله ـ: أحب أن أرسلها كلمة خالصة لوجه الله، إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها: أن يقلعوا عن تضخيم المقابر، فإنها نعرة للفرد، ودعوة إلى الأنانية، وإلى الأرستقراطية الممقوتة، التي قتلت روح الشرق.. وأن يعودوا إلى رحاب الدين، التي تسوي بين الناس جميعًا؛ أحياء، أو أمواتًا، لا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى، وما قدمت يداه من أعمال خالصة لوجه الله.

انتهى من كتاب (ليس من الإسلام لفضيلة الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ )