روى البخاري ومسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إن الذين يَصنعون هذه الصور يعذَّبون يوم القيامة، ويقال لهم: أَحْيُوا ما خَلَقْتُمْ” .
ورَوَيَا أيضًا عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قَدِم علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من سَفَر وقد سَتَرَت سَهْوَة ـ الطاق في الحائط يُوضَع فيه الشيء وقيل غيره ـ بِقِرَامٍ ـ ستر ـ فيه تماثيل . فلما رآه تلوَّن وجهه وقال ” يا عائشة ، أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضَاهُون بخلْق الله” قالت: فقَطَعناه فجعلنا منه وِسادة أو وسادتين.
ورويا أيضًا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا تَدخُل الملائكة بيتًا فيه كلْب ولا تماثيل” وفي رواية البخاري (صورة) بدل (تماثيل).

اختَلف الفقهاء في حكم الصور والتماثيل وهذا مُلَخَّصَ ما قيل:

حكم اقتناء التماثيل:

اتفق العلماء على حرمة اقتنائها إذا كان الغرض منها العبادة أو التقديس؛ لأنها رِجْس والله يقول: (فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (سورة الحج: 30) وإن لم يكن الغرض منها ما ذُكِرَ فهو حرام أيضًا، إذا تَوافَرت هذه الشروط:
1 ـ أن تكون التماثيل تامة الأجزاء الظاهرية.
2 ـ ألا تكون هناك مصلحة تَدعو إلى اقتنائها.
3 ـ أن تكون من مادة تَبقَى مدة طويلة كالخشب والمعدن والحجر.
وذلك للأحاديث السابقة، ولِسَدِّ الذريعة إلى عبادة الأصنام وعدم التشبه بمن يَحرِصون على تقديسها ، كما مَزَّق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثوبًا فيه تصاليب؛ لأنها تَرمُز إلى عقيدة جَعلَها بعض الناس من أصول دينهم.

وبمقتضى هذه الشروط يقال:
(أ)
لو كان التمثال نِصْفيًّا أو نَقَص منه جزء لو كان التمثال حيًّا لا يعيش بدونه كالرأس أو البطن، جاز اقتناؤه وإن كان ذلك مكروهًا.
ونُقِل عن المالكية جواز اتخاذ التمثال التام إذا كان فيه ثَقْب في مكان بحيث تمتنع معه الحياة حتى لو كان الثَّقْب صغيرًا، واشتَرط الحنفية والحنابلة في هذا الثَّقْب أن يكون كبيرًا حتى يجوز اقتناؤه.
(ب) ولو كانت هناك مصلحة في اتخاذ التمثال كلعب البنات أو كوسيلة إيضاح في التعليم جاز ذلك، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقَرَّ وجود العرائس عند عائشة كما في الصحيحين. وعلَّل العلماء هذا بأن فيها تمرينًا للبنات على المستقبل الذي يَنتظرهن ، وهو استثناء من عموم النهي عن الصور. وتَوسَّع بعض العلماء فأجاز التماثيل التي تُقام لتخليد ذكرى العظماء ، وإن كان ذلك مكروهًا في نظرهم؛ لأنه قد يجُرُّ إلى عبادتها، كما عُبِدَت تماثيل (ودّ وسُواع ويَغوث ويَعوق ونَسْر) وكانت في الأصل لتخليد ذكرى قوم صالحين كما ورد في الحديث؛ ولأن الأولى في تخليد العظماء أن يكون بالمنشآت المفيدة كالمدارس والمصحّات.
(جـ) ولو كانت التماثيل مصنوعة من نحو حلوى أو عجين فقد أجاز أصبغ بن الفرج المالكي اتخاذها.
وذكر القرطبي جواز ذلك عند تفسير قوله تعالى في سورة سبأ (يَعْمَلُون لهُ ما يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وتَماثِيلَ).

حكم صنع التماثيل:

اتفق العلماء على أن صنع هذه التماثيل حرام، وهو من الكبائر إذ قُصِد من عملها العبادة أو التعظيم على وجه يُشعِر بالشرك، وذلك للأحاديث السابقة، أما إذا لم يُقصَد بصنعها، ذلك فيَحرُم إن كانت تامة وليس هناك غرض صحيح من صنعها، وكانت مادتها مما يَطول بقاؤه عادة، وذلك لعموم الأحاديث الواردة في النهي عنه، وقَصَر بعض العلماء الحُرْمة على ما قُصِد به مضاهاة خلق الله.

وبهذا يُعرَف أن صنع التماثيل الناقصة غير مُحرَّم وكذلك وسائل الإيضاح وتماثيل الحلوى والعجين.
هذا هو حكم النحت: أما الرسم والنقش والتصوير للإنسان وكل ما فيه رُوح فهناك أربعة أقوال في الصنع والاقتناء:
1 ـ التحريم مطلقًا، سواء أكانت تامة أم ناقصة في ظاهرها، وسواء أكانت مُكَرَّمة لكونها على ستار أو جدار مثلاً أم مُمْتهنة لكونها في بِساط مفروش مثلاً ـ وذلك لعموم النهي في الأحاديث المتقدمة.
2 ـ تحريمها إذا كانت تامة لا ناقصة.
3 ـ تحريمها إذا كانت مُكَرَّمة غير ممتهنة.
4 ـ جوازها مطلقًا، وهو منقول عن القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة.
على أنهم استثنوا التصوير الشمسي؛ لأنه حبْس ظل بمعالجة كيماوية على نحو خاص، وليست فيه معالجة الرسم المعروفة.
هذا أما تصوير ما لا رُوح فيه كالنباتات فلا مانع منه مطلقًا، وهو من الفنون الجميلة التي لم يَرِد نهْي عنها لذاتها.
وقد تُمنع الصور الحية إذا كان فيها كشف لما أمر الله بستره، أو كان فيها إغراء أو قُصِد بها ابتزاز أو نحو ذلك.