الزنا الذي يوجب الحد يتحقق بإيلاج الحشفة في فرج أنثى مشتهاة لا تحل لواطئها، سواء أنزل أم لم ينزل، وسواء كان بحائل أم بغير حائل والواجب على من اقترف هذا الذنب أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى من هذه الكبيرة.
يقول سماحة المستشار فيصل مولوي –رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
الأصل في وجوب حد الزنى هو مجرد الإدخال دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى من كونه بحائل أو بغير حائل، أنزل، أم لم يُنزل، وما إلى ذلك لأن الزنى في اللغة اسم الإيلاج في الفرج مطلقاً، كما أن اللواط في اللغة اسم للإيلاج في الدبر مطلقاً، والآيات في هذا كثيرة منها قوله تعالى:(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) سورة النور آية 2، ومنها قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) سورة الفرقان آية 68، ومنها قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) سورة الإسراء آية 32.
واتفق الفقهاء على أن الزنى هو الإيلاج في الفرج مطلقاً إلا إذا كان ذلك بين الزوجين فحينها لا يسمى زنى وإنما نكاح لأنه في الحلال وهو تخصيص الشرع لبعض المعاني اللغوية. إلا أنني سوف أبين وجه دليل الشرع في هذا فأقول:
1- إن الآيات والأحاديث الواردة _ كما سبق وبينت _ في الموضوع لا تفرق بين ما إذا كان بحائل أو بغير حائل أو كان معه إنزال أو لم يكن وهل طالت المدة أو قصرت لأن أدنى هذا الفعل يصدق عليه اسم الزنى.
2- أنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه ماعز وقد زنى قال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه رسول الله ﷺ وقال له ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال (إني زنيت) فأعرض عنه النبي ﷺ فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال(طهرني يا رسول الله فقد زنيت) فقال له أبو بكر الصديق: لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله ﷺ، ولكنه أبى فقال يا رسول الله (زنيت فطهرني) فقال له رسول الله ﷺ: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) قال: لا فسأله رسول الله ﷺ باللفظ الصريح الذي معناه (الجماع) فقال نعم قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال: نعم فسأله النبي ﷺ هل تدري ما الزنى؟ قال: نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول قال إني أريد أن تطهرني فأمر ﷺ به فرجم) رواه البخاري، انظر روائع البيان جزء2ص47.
من هذا الحديث يتبين أن العلة الموجبة لإقامة الحد إنما هي الإيلاج مطلقاً وقد حددها عليه الصلاة والسلام بسؤاله لماعز بقوله: هل غاب ذلك منك في ذلك منها فقال ماعز نعم ثم أراد عليه الصلاة والسلام تحديد ذلك أكثر للتأكد من أنه زنى فعلاً فسأله فقال: كما يغيب الميل في المكحلة والرثاء في البئر؟ فقال نعم، ومع هذا الوضوح والتجلي في معاني الزنى فإنه عليه الصلاة والسلام احتاط في إثبات الحكم عليه وأنه ربما كانت هناك بعض الإشكالات والشبهات فسأله فقال وهل تدري ما الزنى؟ فقال: نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً ثم أقام عليه الحد.
3- ما روى مسلم في صحيحه أن امرأة تسمى (الغامدّية) جاءت إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله (إني زنيت فطهرني) فردها ﷺ فلما كان من الغد قالت: يا رسول الله لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ماعزاً؟ فوالله إني حبلى، فقال أما الآن فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها…) وفي هذا إثبات الزنى وإقامة الحد فيه دون السؤال عن الحائل أو عدمه أو حتى عن الإنزال وعدمه أو عن قليله أو كثيره.
4- أن الإسلام كما احتاط في الحدود احتاط في أعراض الناس وكرامتهم، لأن جريمة الزنى أخطر وأعظم من أن تستدر العطف أو تدفع إلى العفو عن مرتكب هذه الجريمة النكراء، فإن من عرف آثارها وأضرارها أدرك حكمة الله تعالى في تشريع هذا الحكم الزاجر. وانطلاقاً من هذا الموقع فإن فعل الجريمة هذا لا تتغير عوامل الهدم فيه سواء كان بحائل أو بغير حائل بإنزال أو بغير إنزال قصرت المدة أو طالت، ولذلك لم يلتفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى كل ذلك في الوقوف على جريمة الزنى، لا مع ماعز، ولا مع الغامدية ولا مع سواهما.
ولهذا نظير في أحكام أخرى فقد ورد في الحديث عن الرسول ﷺ في وجوب الغسل من الجنابة قال: (إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل) أخرجه مسلم. وفي حديث آخر فيه رواية بوجوب الغسل قال: (وإن لم ينزل) أخرجه البخاري ومسلم. أنظر جامع الأصول جزء7ص 270 –271
وأما الأحاديث الصحيحة في عدم وجوب الغسل من ذلك بل الاكتفاء بالوضوء فقد أجاب عنها الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنه ) أخرجه الترمذي، أنظر المرجع نفسه ص273،
وهكذا نجد أن الرسول ﷺ أقام الإيلاج مقام الإنزال على وجه الاحتياط. ومن هنا منع الشارع أي نوع من أنواع الإيلاج بالحرام على وجه العموم دون الدخول في التفاصيل ليقطع كل طريق قد يؤدي إلى انتهاك الأعراض واختلاط الأنساب وضياع الأولاد وتشريدهم.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنى إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج . فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا . ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال . فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا . انتشر ذكره أم لا .