الولي هو كل مؤمن تقي ، فكل من آمن بالله حق الإيمان ، واتقاه حق التقوى فهو ولي لله تعالى ، والولاية درجات بحسب تحقق الإيمان والتقوى ، وهي لا تدعى ، فمن ادعاها كذب ، لأن الأولياء الصادقين لا يحبون أن يعرفوا بولايتهم ، بل يحبون أن يكون ما بينهم وبين ربهم سرا .
ثم إن الحكم على الغير بالولاية إنما يكون بحسب الظاهر ، فمن ظهر منه الإيمان والتقوى والصلاح وهو محافظ على الفرائض مجتنب للمحارم، ويواظب على السنن جاز وصفه بالولاية ، ومن كان ظاهره غير ذلك فلا يجوز وصفه بها ، كما قال الإمام ابن القيم : إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء وهو لا يعمل بالشرع فلا تعبأ به .
يقول الإمام ابن كثير : في تفسير قوله تعالى :ـ
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الذين آمنوا وكانوا يتقون}:
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا.
ويقول الإمام القرطبى :
{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم” أي في الآخرة. “ولا هم يحزنون” لفقد الدنيا.
روى سعيد بن جبير أن رسول الله ﷺ سئل: من أولياء الله؟ فقال: (الذين يذكر الله برؤيتهم).
وقال عمر بن الخطاب, في هذه الآية: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى).
قيل: يا رسول الله, خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم.
قال: (هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطون بها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أولياء الله قوم صفر الوجوه من السهر, عمش العيون من العبر ـ البكاء ـ , خمص البطون من الجوع, يبس الشفاه من الذوي.
والمقصود أن أثر الاجتهاد في العبادة يظهر عليهم ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود) ، وليس المقصود أن يهلك الإنسان نفسه أو يضعفها ، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. (انتهى)
وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله تبارك وتعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزل عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن بكره الموت وأنا أكره مساءته).
وقال في شرحه : (ولياً) هو العالم بدين الله تعالى المواظب على طاعته المخلص في عبادته. (آذنته بالحرب) أعلمته بالهلاك والنكال. (مما افترضت عليه) من الفروض العينية وفروض الكفاية. (كنت سمعه..) أحفظه كما يحفظ العبد جوارحه من التلف والهلاك، وأوفقه لما فيه خيره وصلاحه، وأعينه في المواقف وأنصره في الشدائد. (استعاذتي) استجار بي مما يخاف.
(ما ترددت) كناية عن اللطف والشفقة، وعدم الإسراع بقبض روحه.
(مساءته) إساءته بفعل ما يكره.
وقال ابن حجر في “فتح الباري”: قال الطوفي: الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل، فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريبا، وأيضا فالفرض كالأصل والأساس، والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل، والذي يؤدي الفرائض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثارا للخدمة فيجازي بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته.
واتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن قوله: ” كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ” مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته، حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية ” فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ” . أ.هـ
وعليه: فأولياء الله : هم الذين آمنوا بالله حق الإيمان واتقوا الله حق التقوى واستمروا على الإيمان والتقوى (الذين آمنوا وكانوا يتقون ) . فكل من آمن بالله واتقاه كان من أوليائه تعالى ، وأي إنسان يمكنه أن يكون كذلك ، والأمر محتاج إلى توفيق الله ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أوليائه.
و يقول الدكتور عبد الحميد مدكور ، أستاذ الفلسفة الإسلامية بدار العلوم بجامعة القاهرة ، في تعريف التقوى:
التقوى لغة:قلة الكلام ، وقد استعملت التقوى -بمعنى عام- في الصيانة والحذر والوقاية، واجتناب ما هو مكروه أو قبيح أو ضار.
واصطلاحا: هي التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه ، بطاعته واتباع أوامره ،واجتناب نواهيه. وقد سأل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أبيًا عن التقوى، فقال:هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال:نعم. قال:فما عملت فيه؟ قال:تشمرت وحذرت ، قال:فذاك التقوى.
وتنسب مثل هذه الإجابة إلى أبي هريرة عند الشوكاني .
وتقوم التقوى – في جوهرها- على استحضار القلب لعظمة الله تعالى واستشعار هيبته وجلاله وكبريائه ، والخشية لمقامه ،والخوف من حسابه وعقابه.
وإذا كان هذا هو معنى التقوى فإن نطاقها لا ينحصر في اجتناب الكبائر فحسب ، بل إنه يمتد ليشمل كل ما فيه معنى المخالفة حتى لو كان من اللَّمم أو الصغائر، وقد فهمت التقوى هذا الفهم منذ عهد الصحابة الذين قال قائلهم:لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. بل إنهم جعلوا من تمام معناها أن تتضمن الورع ، عن بعض ما هو طيب أو حلال ، حذرًا من مقاربة الحرام ، وفي ذلك يقول أبو الدرداء: “تمام التقوى:أن يتقى الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حرامًا “. وهذا المعنى له أصل صحيح في سنة رسول الله ﷺ ، فعن عطية السعدي قال: قال رسول الله ﷺ:”لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس” (أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه).
وليست التقوى -كما يفهم من معناها اللغوي وبعض استعمالاتها الشرعية- مقصورة على الحذر والاجتناب للمعاصي والرذائل ، بل إنها تتضمن -كذلك- جانب الفضائل والطاعات العملية الإيجابية ويظهر هذا في عديد من الآيات القرآنية، ولعل من أكثرها دلالة على هذا التكامل آية البر المشهورة، وهى قوله تعالى:{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ،ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة:177.
وقد كانت الوصية بالتقوى أول وصايا الله تعالى لبنى آدم. قال تعالى:{يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يوارى سوآتكم وريشًا، ولباس التقوى ذلك خير}الأعراف:26. وهى وصية الله للمسلمين وللأمم من قبلهم:{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}النساء:131.
وأهل التقوى هم أهل محبة الله:{بلى من أوفي بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}آل عمران:76. وهم أهل ولايته:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.الذين آمنوا وكانوا يتقون}يونس:62،63. وأهل الكرامة عنده في الدنيا وفي الآخرة:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13. وقد وصفت الجنة بأنها دار المتقين:{ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين}النحل:30 ، {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيًا}مريم:63.
وقد جعل الله التقوى من أعظم أسباب البركة في الأرزاق ومن أعظم أسباب تفريج الكربات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات والخروج من المضائق والأزمات. والحديث عن التقوى ومكانتها ، وصفات أصحابها كثير في القرآن والسنة وقد أمر الله بها في أمر المؤمن كله:عبادات ومعاملات دينًا ودنيا ، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}آل عمران:102. وقال ﷺ:(اتق الله حيثما كنت…) رواه الدرامى.
ونسب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : التقوى هي الخوف من الجليل والإيمان بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل . (انتهى).
وننصح المسلم بمطالعة كتاب( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) للإمام الجليل ابن القيم ـ رحمه الله تعالى . لمن يريد المزيد.