المَصادِر الأساسيّة للتّشْريع هي القرآن والسُّنّة بالاتفاق، ثم القياس والإجماع على رأي الجمهور، وما عدا ذلك من العُرف والمصالح المرسلة والاستحسان وما إليه فيه خلاف كبير .
والمصالح المرسلة هي التي لم يشهد لها أصل معين، كما قضى عمر ـ رضي الله عنه ـ على محمد بن مسلمة أن يمرَّ خليج جاره في أرضه؛ لأنه ينفع جاره ولا يضر محمدًا، فلعل الفتوى بأصل عام وهو إباحة النافع وحظر الضارِّ .
وهذا الرأي إذا تُوسِّع فيه عاد بالضرر؛ لأنه قد يؤدِّي إلى ترك كثير من السُّنَن التي لم يُحط بها الإنسان علمًا مع تفرقها في البلاد .
والاستحسان ترك القياس على أصل معين، وذلك لأثر قد ورد، أو للرجوع إلى أصول عامّة، أو أصل معيّن آخر، وهو عند أهل الرأي ليس قولاً بمجرد الهوى.
ويكثر استعمال المصالح المرسلة والاستحسان في المعاملات والأمور الدنيويّة وتنظيم المسائل السياسيّة والقضائيّة والحربيّة والعَلاقات الدوليّة.
والمالكية لهم قسط كبير في الاعتماد على المصالح المرسلة في التشريع، ويَليهم الحنابلة كما قال ابن دقيق العيد، يقول البغدادي فى”جنة الناظر”: إن الإمام مالكًا يقول: إن المجتهد إذا استقرأ موارد الشرع ومصادره أفضى نظره إلى العلم برعاية المصالح في جزئياته وكلياته، وأن لا مصلحة إلا وهي معتبرة في جنسها، ولكنه استثنى من هذه القاعدة كل مصلحة صادَمها أصل من أصول الشريعة .
ومن أمثلة الحكم بهذا الأصل من فتاوى السلف وأَقْضِيَتهم قضاء الصحابة بتضمين الصناع كالخياطين والصباغين الذين يدعون سرقة ما أُعْطِيَ لهم لخياطته وصباغته ولم يقيموا بيِّنة على أنه تلف بغير سبب منهم ، فيُقضى عليهم بالضمان ، حتى يحتاطوا في حفظ ما عندهم ، ومنها قتل الجماعة بالواحد إذا لم يُعيِّنوا القاتل ، ومنها فرض الضرائب على الأغنياء إذا لم تكفِ الموارد الشرعيّة من الزكاة ونحوها للجهاد في سبيل الله.
وإذا كان العمل بالمصالِح المرسَلة يؤدِّى إلى الاختلاف في الأحكام من بلد إلى بلد فلا مانع من ذلك، فالخلاف في مثل هذه الأمور الفرعيّة الدنيوية لا يضر ما دامت الأصول مرعيةً. انظر : مقال الشيخ محمد الخضر حسين ـ مجلة الأزهر ـ المجلد الثالث ص 159.