إذا مات الإنسان وقد أوصى بحِرْمَان ابنه أو بعض وَرَثَتِهِ من الميراث فلا أَثَرَ لهذه الوصية؛ لأن توزيع الميراث شَرْعُ الله، لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه، وقد تكون الصورة بيع أو هِبة الشخص ما يملكه في حال حياته إلى بعض الأولاد وحِرْمَان البعض الآخر.
وكُلُّنا أو أكثرنا يعرف حديث النُّعمان بن بشير الذي جاء فيه النَّهي عن تفضيل بعض الأولاد على بعض بهدية من غير مُقابل، ولم يشهد النبي ـ ﷺ ـ على ذلك وقال “إنه جَوْرٌ” ونصح الآباء أن يُسووا بين الأولاد ليكونوا له في البِرِّ سواء.
إن علماء الحديث والفقه نظروا إلى هذا الحديث واختلفت أحكامهم على هذا التصرُّف فقال جمهورهم ـ وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ـ إنه مكروه وليس حرامًا؛ لأن النبي ـ ﷺ ـ قال لبشير والد النُّعمان “أَشْهِدْ على هذا غيري” ولو كان حرامًا ما أجاز أن يشهد عليه أحدٌ، وأما أحمد بن حنبل فقال: إن هذا التفضيل حرامٌ؛ لأن النبي ـ ﷺ ـ قال له “لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ” أي ظلم.
لكنهم جميعًا قالوا: مَحَل الكراهة أو الحُرْمَة في التفضيل إذا لم يكن هناك سببٌ مشروع، فلو كان أحدهم مريضًا أو مَدينًا دَيْنًا كبيرًا لا يستطيع كَسْبُه الوفاء به، أو كان صغيرًا يحتاج في مُستقبل حياته إلى رعاية. فلا مانع من أن أباه يساعده بشيء مراعاة لحاله، واستدلوا على ذلك بما حدث من الصحابة، فقد فضَّل أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عائشة على غيرها من أولاده، وفضَّل عمر ـ رضي الله عنه ـ ولده عاصمًا بشيء، كما فضَّل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بعض أولاده على بعض، نصَّت على ذلك كتبُ الفقه، كالإقناع للخطيب في فقه الشافعية ،والمغني لابن قدامة في فقه الحنابلة، وقد تقدم القول في ذلك بإسهاب.
هذا واضح في المفاضلة في العطية، أما حرمان بعضهم فإن الحديث وإن كان يدُل عليه فقد نصَّ عليه الحنابلة بما جاء في “المُغني” لابن قدامة “المعجم طبعة الكويت ص 720” من قوله:
“وإن خص بعض أولاده بعَطية لمعنى يقتضي التخصيص كزمانة أو كثْرَة عائلته أو انشغاله بعلم. أو صرف عطيته عن بعضهم لفِسْقِه أو بِدْعَتِه، أو لاستعانته بذلك على معصية جاز ذلك، وقيل: لابد من التسوية ويُمْنَع التفاضل والأول أصح.”
هذا نص المُغني، وبناء عليه فلا مانع من حِرمان الولد العاق من البيع أو الهبة له كباقي إخوته ـ وإن كنا نخشى أن يزيد عقوق الولد، أو يعامل إخوته معاملة قاسية، ونرجو أن يبحث عن وسيلة أخرى لتقويم سلوك الولد العاق.