معلوم أن الإسلام أوصى على رعاية حق الجوار، والنصوص في ذلك كثيرة يكفي منها قوله تعالى( واعْبُدوا اللهَ ولا تُشْركُوا بِهِ شَيئًا وبِالوالدَينِ إحْسانًا وبِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ والجار ذِي القُرْبَى والجَارِ الجُنُبِ والصّاحِبِ بِالجَنْبِ وابْنِ السبيل وما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (سورة النساء : 36) والجار ذو القُربى من له صلة قرابة، والجنب مَن لا يربطه به قرابة، والصاحب بالجَنب قيل هو الزوجة، وقوله ﷺ:” ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتى ظنَنْتُ أنه سيورِّثه ” رواه البخاري ومسلم،وقوله:” مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذِ جاره ” رواه البخاري وسلم وقوله : ” والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبّ لجاره ـ أو قال لأخيه ـ ما يحب لنفسه” رواه مسلم .
والجار هو مَن جاور في المسكن أو المتجر أو المصنع أو الحقل أو حلقة الدرس أو الفصل، وفي أي مكان يطول به زمن الجوار، لكن هل الوصية بالإحسان إلى الجار خاصّة بمَن يجاور مباشرة لا يتعدّاه إلى البعيد؟ إن الناظر إلى روح الإسلام يرى أن الأخوة يمتدُّ ظلُّها حتى يشمل أكثر من شخص، وإن كان هناك تفاوت في الأولوية بحسب القرب والبعد، ويشهد لهذا الامتداد حديث رُوِي عن النبي ﷺ أن رجلاً جاء يشكو إليه جاره فأمره أن ينادِيَ على باب المسجد ” ألاَ إن أربعين دارًا جار ” يقول الزهري راوي هذا الحديث مفسِّرًا له: أربعون هكذا، وأومَأ إلى أربع جهات.
هذا هو الحديث الذي رُوِي في اتساع مجال الجوار وإن كان في سنده مقال، لكن روح الشريعة لا تعارِضه. أما قول بعض الناس: إن النبي ﷺ أوصى على سابع جار فلم نراه حديثًا منسوبًا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو من مبالغة الناس واستعمالهم عدد السبع وعدد السبعين كثيرا في المبالغة، ولا ننسى في هذا المقام قولَ النبي ﷺ في الأخوة الجامعة كما رواه البخاري ومسلم:” مثل المؤمنين في تراحُمهم وتوادِّهم وتعاطُفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعَى له سائر الجسد بالسّهَر والحُمّى”.