الإنسان على الصعيد الفردي قد يكون محتاجاً إلى طعام أو لباس أو دواء، لكنه مع ذلك يذهب لفسحة نهاية الأسبوع ويدفع بعض المال وهو في حاجة إليه.
والضغوطات النفسية وتؤثر على تصرفات الأشخاص، بما في ذلك الطريقة التي ينفقون أو يدخرون المال بها، فقد ذم الإسلام البخل أيما مذمة، ورتب الله تعالى على البخيل عقوبات في الدنيا وفي الآخرة. وبالمقابل نهى عن الإسراف وشبه المبذرين بالشياطين. فما هي المسافة بين البخل والاسراف والتبذير؟ وهل يمكن للإنسان ألا يكون بخيلا وفي نفس الوقت لا يكون مسرفا؟
في تراثنا العربي والإسلامي حديث واسع عن البخل والبخلاء، ولعل أشهر أحاديث البخلاء ما جاد به في الجاحظ في كتابه الشهير “البخلاء” الذي ضمنه نوادر ونكت طريفة ولاذعة عن البخلاء.
والحقيقة أن معظم الثقافات في العالم ربما لديها نفس الموقف من البخل والبخلاء، لكن هذا الأمر قد لا ينطبق عن الإسراف والمسرفين، فالحديث عن البخل والاسراف لم يكن بنفس الدرجة، والحديث عن المسرفين قليل وغير مركز مقارنة بما كتب ونقل عن البخل والبخلاء. لكن ديننا الإسلامي الحنيف يعطي لكل حقه، فمثلما ذم البخل ذم الإسراف والتبذير.
ما هو البخل
البخل هو كنز المال وجمعه وعدم إنفاقه في المباحات بحجة الخوف من المستقبل. والبخل خصلة ذميمة تمنع الفرد من البذل والعطاء. ويعتبر البخل من أسوأ الصفات التي يكرهها العرب، بل كانت وما زالت من الصفات القبيحة التي تقلل من الرجولة، وقد ميّز العرب بين البخيل والشحيح، وقالوا: البخيل فهو من ينفق على نفسه بل يغدق عليها ولكنه بخيل على الناس، أما الشحيح فهو أقبح أنواع البخل فهو شديد البخل على نفسه وعلى عياله وجيرانه وأقاربه ومعارفه وهو سيء المعشر. وقد وصف الجاحظ البخل والبخلاء وصفاً دقيقاً في كتاب البخلاء وذكر أساليبهم وعاداتهم عن طريق أسلوب قصصي.
وفي اللغة نقول:
بخُل، ضنَّ عليه بما عنده، أمسك ومنع
بَخِلَ الرَّجُلُ: ضَنَّ بِما عِنْدَهُ مِنْ مالٍ
يَبْخَلُ عَلَى نَفْسِهِ: يُقَتِّرُ عَلَيْها
بخِلَ عن: إمساك المال عمّن لا يصحّ حبسه عنه، عكسه الكرَم والجود.
يقول الله عزوجل في القران الكريم: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء: 37).
وقال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (سورة آل عمران:180).
وقد ورد عن النبي المصطفى محمد بن عبد الله، عليه الصلاة والسلام هذا الدعاء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ. وقال ﷺ: “خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ ، الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ” .كما سمى النبي ﷺ البخل داء، ووصفه بقوله: وأي داء أدوأ من البخل. قالها ثلاثاً. رواه البخاري.
وبين عليه الصلاة والسلام ماذا نفعل بالمال فقال: كلوا، واشربوا، والبسوا، وتصدقوا، في غير إسراف، ولا مخيلة. رواه البخاري.
ما هو الإسراف
الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي. بخلاف التبذير، فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي، فبينهما عموم وخصوص إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانًا، وقد ينفرد الأعم وهو الإسراف
في اللغة: مجاوزة القصد، مصدر من أسرف إسرافًا، والسَّرَف اسم منه، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأصل هذه المادة يدُلُّ على تعدِّي الحدِّ، والإغفال أيضًا للشيء
في الاصطلاح: هو صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي
وقال الراغب: (السرف: تجاوز الحد في كلِّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر).
وقال الشريف الجرجاني: (الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحلُّ له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق)
الفرق بين الإسراف والتبذير
وهناك فرق بين الإسراف والتبذير. فالإسراف هو صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، أما التبذير: فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي.
فالإسراف يعني أن الشخص يبالغ في ما أباحه الله وفوق ما يحتاج، مثال على ذلك أن يقوم الشخص بملء طبقه من مائدة الطعام حتى لو لم يكن محتاجاً لذلك، فهذا يعني أنه أسرف في شيء مباح أي الطعام؛ لأنه قد يأكل فقط نصف هذا الطبق والباقي سيرميه. وقد نهى الإسلام عن الإسراف. وجاء في سورة الأعراف في الآية 31 (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .
أما التبذير، فهو أن يصرف المال في ما حرم الله مثلاً كأن يشتري شخص أي شيء من المحرمات (مثل الخمر مثلا). وقد حرم الإسلام التبذير ووصف فاعليه بأنهم أخوان للشياطين. يقول الله في سورة الإسراء في الآيه 27(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).