جاءت نظرة الإسلام للإنسان مختلفة عن العقائد الأخرى، فلا هي إغراق في المادية ، ولا هي تعذيب للنفس في التوغل في الروحانيات دون الاهتمام بالجسد، فجاء الإسلام متكاملا شاملا ،يجمع بين الربانية بما فيها من الروحانية ، والإنسانية ، بما في ذلك الاهتمام بأمور الإنسان الدنيوية.
وجماع ذلك كما قال أحد الصالحين :” ألا تكون الدنيا في قلبك ، ولو كانت في يدك”.

كما أن ضابطها ألا يقدم الإنسان شيئا من أمر الدنيا على أمر الله تعالى ، مصداقا لقوله تعالى :” قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين”.

فإن كان هناك أمر الله وشهوة للنفس ، قدم أمر الله ، وكذلك الحال إن كان هناك أمر لغير لله ، فيقدم أمر الله تعالى ، مصداقا لقوله تعالى :”إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا”. سواء أكان هذا الحكم في القضاء ، أم في الأمور الفردية أو الجماعية ، فالمطلوب تقديم أمر الله على كل أمر.

ومن عظيم أمر الإسلام أنه جعل الأمور الدنيوية إذا فعلها الإنسان بنية صالحة ، يثاب عليها ، فتدخل في أمر الدين والأجر والثواب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :” واللقمة تضعها في في(أي فم) امرأتك، لك بها صدقة”، وقوله صلى الله عليه وسلم “وفي بضع أحدكم صدقة.

فليس عندنا في الإسلام انفصالية بين الدين والدنيا ، فالإسلام دين ودنيا، كما أشار القرآن الكريم :” قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين “.
فيمكن أن يكون الإنسان محبا لله ورسوله ، وله نصيب من الدنيا ، فما دام حلالا ، لقوله تعالى :” قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون”.

ولعل مما يشير إلى هذا التكامل في الإسلام ، حديث الثلاثة الذين أتوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فكأنما تقالوها ، فقال أحدهم :أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر : فأقوم ولا أرقد ، وقال الثالث: وأما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج. فأخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم بهذا ، فقال لهم :” أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما إني أخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأرقد ، وأتزوج النساء ، فهذه سنتي، ومن رغب عن سنتي فليس مني”.
فالضابط في هذا أن يكون الإنسان في المباح الذي أتاحه الله له ، ولا تنافي بين حب الله ، وبين رغبات النفس فيما أحل الله .