الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر فلا يجيزه أحد من أصحاب المذاهب الأربعة إلا الشافعية بينما تمنعه بقية المذاهب.
وأما الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر فيجوز عند الشافعية والمالكية والحنابلة، أما الأحناف فهم لا يجيزون الجمع إلا في الحج.
وليس جواز الجمع عند من يجيزه بسبب المطر على إطلاقه، ولكن له شروط، فمن هذه الشروط وجود المطر بالفعل عند الإحرام بالصلاة الثانية المجموعة( أي العصر أو العشاء) ومن الشروط أن يكون المطر غزيرا يبل الثياب، ويشق السير معه في الطرقات.
ويبقى الجمع عند تحقق هذه الشروط رخصة لمن شاء، وترك الجمع أولى خروجا من الخلاف، ولكن لا يعاب على من أراد الترخص بالجمع عند وجود شروطه.
يقول الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
إن الأصل في الصلوات الخمس أن تؤدى في الأوقات المخصصة لها شرعاً قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) سورة النساء الآية 103 . ويدل على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي ﷺ وهو حديث صحيح مروي في دواوين السنة . والجمع بين الصلاتين رخصة حيث وجدت أسبابها .
وإن من المؤسف أن بعض أئمة المساجد وكذا بعض عامة الناس يتساهلون في الجمع بين الصلاتين بسبب المطر فنرى بعضهم يجمع بدون سبب موجب كأن يكون المطر صباحاً فيجمع الإمام بين المغرب والعشاء، وكذلك يجمعون بين الظهر والعصر ثم ينطلقون إلى أعمالهم وأسواقهم، ولا يمنعهم المطر عنها وإنما منعهم عن الصلاة فقط . ومثل هذا التساهل جمع المنفرد في بيته بين الصلاتين بسبب المطر كما يزعمون، ونحو ذلك من التساهل في هذه العبادة المؤقتة بمواقيت معروفة وثابتة .
وقد أجاز جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة الجمع بين الصلاتين بسبب المطر على تفصيل عندهم أوضحه بما يلي :
الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب المطر أجازه الشافعية في القول المعتمد عندهم، ومنعه المالكية والحنابلة.
والجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر أجازه المالكية والشافعية والحنابلة، والأدلة في الجمع بين المغرب والعشاء أقوى منها في الجمع بين الظهر والعصر، ومن المعلوم أن لا جمع عند الحنفية إلا في عرفة ومزدلفة فقط .
وعلى كل حال فإن الجمع بين الصلاتين للمطر عند القائلين به هو رخصة شرعية مقيدة بسبب وهو المطر فلا بد من التقيد بذلك ،ومن المعلوم أن هذه الرخصة شرعت من أجل دفع الحرج والمشقة عن المصلين لتحصيل صلاة الجماعة .
وعليه فمن أخذ برأي العلماء القائلين بالجمع بين الصلوات للمطر فلا بد أن يلتزم بما قرره هؤلاء العلماء من سبب لهذا الجمع . فالشافعية الذين يقولون بالجمع بين الظهر والعصر للمطر، وكذا المغرب والعشاء نصوا على أن سبب الجمع وجود مطر يبل الثياب، ولا يجمع لأجل مطر لا يبل الثياب . انظر المجموع4/381 .
وقال الشيخ ابن عثيمين :[ قوله المطر يبل الثياب يعني إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته فإنه يجوز الجمع بين العشائين فإن كان المطر قليلاً لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز ؛لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل ومشقة أخرى من جهة البرد ولا سيما إذا انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة ] الشرح الممتع 4/555 .
كما أن العلماء القائلين بالجمع للمطر نصوا على وجود العذر وهو المطر عند الإحرام بالصلاة الأولى ومنهم من اعتبره حال الإحرام بالثانية أيضاً قال الإمام الشافعي :[ ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي تجمع فيه فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها ] الأم 1/95 . وقال الإمام النووي :[ ويشترط وجود المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب ] المجموع 4/382 .
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ ومتى جمع في وقت الأولى اعتبر وجود العذر المبيح حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية فمتى زال العذر في أحد هذه الثلاثة لم يبح الجمع ] المغني 2/207 .
وأما ما يفعله بعض الناس من الجمع مع عدم وجود المطر وانقطاعه قبل ساعات من الجمع فهذا لا يجوز ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر لأن الجمع رخصة لها سبب وهو المطر فإذا وجد المطر يجوز الجمع وإلا فلا.
وأخيراً ننبه على أن كثيراً من أهل العلم يرون أن ترك الجمع أفضل وأولى بسبب خلاف من رأى عدم جواز الجمع . قال الإمام النووي :[ وترك الجمع أفضل بلا خلاف فيصلي كل صلاة في وقتها للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوِّزونه . وممن نص على أن تركه أفضل الغزالي، وصاحب التتمة . قال الغزالي في البسيط : لا خلاف أن ترك الجمع أفضل ] روضة الطالبين 1/505 .
وقال ابن مفلح :[ وتركه أفضل ] الفروع 2/68 . وقال المرداوي :[ يؤخذ من قول المصنف ” ويجوز الجمع ” أنه ليس بمستحب وهو كذلك بل تركه أفضل على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب ] الإنصاف 2/334 .
وخلاصة الأمر ننصح أئمة المساجد بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم، وعدم التساهل في الجمع لأنه قد يوقع في معصية ألا وهي الجمع بين الصلاتين بدون عذر وقد ورد في بعض الآثار عن عمر رضي الله عنه أنه قال :[ الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ] رواه البيهقي وذكر أنه مرسل ثم روى بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل له : ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر والفرار من الزحف والنهبى ) . وقوى الأثرين صاحب الجوهر النقي.