قضية المساواة بين الجنسين مفهومها ودلالاتها:
‏1 -‏ المساواة في مفهومها الصحيح بين الجنسين هي إتاحة الفرصة لكل من الرجل والمرأة أن يكمل نفسه ماديا وأدبيا ، وبهذه الإتاحة تكون المساواة، بصرف النظر عن حجمها ونوعها، قال تعالى{‏ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن }‏ النساء :‏ ‏32 ، وقال تعالى {‏ لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض }‏ آل عمران :‏ ‏195 ، وذكر حديث وافدة النساء أن حسن قيام المرأة بواجبها نحو زوجها وأولادها يعدل ما يقوم به الرجل من مهام .‏
‏2 -‏ جعل الله لكل من الرجل والمرأة خصائص واستعدادات تتناسب مع الدور الحيوى الذي يؤديه في الدنيا ، في جو من التعاون على تحقيق الخلافة في الأرض ، فالخصائص البيولوجية مختلفة فيهما ، وليست متساوية تماما ، ولها تأثير على الفكر والعاطفة ، وبالتالي على السلوك .‏ وعلى أساسها كان توزيع الاختصاص في هذه الشركة التعاونية .‏ قال تعالى {‏ الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم }‏ النساء :‏ ‏34 ، ومن هنا لا يصح أن يقول واحد منهما :‏ لماذا لا يعطيني الله مثل ما أعطى الآخر، وإلا لما كان هناك داع إلى خلق نوعين .‏ وقد جاءت الأديان كلها مقررة لهذه الحقيقة ، وعلى أساسها وضعت التشريعات السماوية ، بل الوضعية أيضا .‏
‏3-‏من المعلوم أن الرجل صالح في كل وقت -‏إذا لم يكن هناك موانع -‏ لإتمام عملية الإخصاب من أجل التناسل الذى هو المهمة الأولى لخلق الذكر والأنثى من كل صنف من المخلوقات ، قال تعالى {‏ ومن كل شىء خلقنا زوجين }‏ الذاريات :‏ ‏49 ، أما الأنثى فهي غير مستعدة لذلك إلا بنسبة ضئيلة ، وهي يوم أو يومان فى كل شهر عند نضج البويضة ، ولا يكون هناك فى الأعم الأغلب إلا حمل واحد فى كل عام ، فإذا شغلت بحمل فلا يمكن لحمل آخر أن يزاحمه أو يفسح له المجال، ولأجل أن الغرض من هذا التكوين هو تنظيم التناسل والشهوة أباحت الأديان كلها تعدد الزوجات لرجل واحد ، وحرمت تعدد الأزواج لامرأة واحدة ، لأنه سيكون لمجرد إرضاء الشهوة لا غير.‏ وما يقال عن عدم التعدد في ديانات غير الإسلام فهو تعاليم كنسية ليست من الشريعة الموحى بها .‏

‏قوانين الأخرة تختلف عن قوانين الدنيا:

ليكن معلوم أن قوانين الآخرة لا توافق دائما قوانين الدنيا ، فالأكل هنا هو للشبع وتتبعه فضلات قذرة ، وليس الأمر كذلك في الجنة ، والزواج هنا للحاجة إلى النسل ولا حاجة إليه في الجنة ، وإن كانت للبعض رغبة في الولد فلا يتحتم أن يكون عن طريق الولادة، كما قال بعض العلماء ” مشارق الأنوار للعدوي ص ‏186 ” .‏
وما يجيء من التشابه في النصوص المتصلة بالأكل والشرب والمتع في الجنة فهو أسلوب يقرب المعنى إلى الأذهان بالمعهود عند الناس ، ذلك لأن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.‏ وهناك عبارة مشهورة تقول :‏ كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك .‏
ويظهر ذلك الاختلاف في القوانين في الخمر التي جاء فيها “لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ” وفي الحور العين اللاتي وصفهن اللَّه بقاصرات الطرف ، أي لا يحببن غير أزواجهن ، ولا يشتهين غيرهم ، ولا توجد غيرة بينهن إذا تعددن لرجل واحد، وهذا أمر يتناقض مع الطبيعة البشرية في الدنيا .‏

نعيم الجنة وجزاء المؤمنات فيها:

تحدث القرآن عن نعيم الجنة في الناحية الجنسية ، وركز على الرجل بالذات ، وأغراه بالعمل لدخول الجنة لينعم بزوجات فيهن كل الأوصاف المغرية، وجاء في الحديث المتفق عليه بين البخارى ومسلم أن الرجل الواحد سيكون له أكثر من زوجة ، فقد أخرجا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة تذاكروا :‏ الرجال أكثر فى الجنة أم النساء ؟ فقال :‏ ألم يقل رسول الله ” ما في الجنة رجل إلا وله زوجتان ، إنه يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها عزب ” وجاء في أحاديث أخرجها الترمذى وصححها أن العبد يزوج في الجنة سبعين زوجة، وفي حديث لأحمد والترمذي وابن حبان أن أدنى أهل الجنة منزلة له ثنتان وسبعون زوجة .‏
فأين الحديث عن المتعة الجنسية للمرأة ، وهل لها أن تتمتع بأكثر من رجل كما يتمتع الرجل بأكثر من امرأة ؟ وإذا كانت مع زوجها في الجنة كما قال تعالى {‏ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم }‏ الرعد :‏ ‏23 ، فكيف تحس بالنعيم مع أن الغيرة تملأ قلبها من ضرائرها الحسناوات ؟

أ-‏التركيز على نعيم الرجل لأن شهوته طاغية، فهو طالب لا مطلوب ، فوعده الله بما يحقق رغبته في هذه اللذة إن جاهد نفسه وعف عن الحرام .‏ أما المرأة فشهوتها ليست طاغية كما يقول المختصون ، وإن اشتدت في فترة نضج البويضة يوما أو يومين في الشهر فهي في غالب أيامها مطلوبة لا طالبة .‏ وما قيل من أن شهوتها أقوى من شهوة الرجل بنسبة كبيرة فليس عليه دليل صحيح ، والواقع خير دليل .‏ ومع ذلك فلا تحرم المرأة من هذه اللذة في الجنة، وستكون مع زوجها ذلك {‏ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون *‏ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون }‏ يس :‏ ‏55، ‏56 ، ومن لم تتزوج إما أن يزوجها الله -‏حيث لا يوجد عزب فى الجنة كما في الحديث السابق الذى رواه الشيخان ، وإما أن يمتعها بلذة أخرى تقنع بها .‏
ب -‏ قد يكون هناك تعويض عن هذه اللذة بالقناعة بمنزلتها عند زوجها وبمتع أخرى يعلمها الله وحده {‏ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين }‏ الزخرف :‏ ‏71 .‏
وقد قيل :‏ إن الله يكسوها جمالا لا تحس معه نقصا بالنسبة للحور العين ، وأن لها السيادة عليهن ، وهي لن تحب رجلا غير زوجها كالحور العين قاصرات الطرف .‏
ج -‏ ليس في الجنة غيرة بين الزوجات -‏كما في الدنيا-‏ لأنها تنغص النعيم ، وليس فيها حسد ولا حقد ولا حزن ولا أي ألم أبدا، حتى تتم اللذة لأهل الجنة كما قال تعالى :‏ {‏ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين *‏ لا يمسهم فيها نصب }‏ الحجر:‏ ‏47 ،‏48 ، وقال على لسان أهل الجنة {‏ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، إن ربنا لغفور شكور *‏ الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب }‏ فاطر:‏ ‏34 ، ‏35