إن توزيع التركة قبل الوفاة لا يجوز بحال لأن الميراث انتقال تركة من ميت إلى أحياء، كما لا يجوز أن يخص الموروث ورثته الذكور دون الإناث لأن في ذلك اتباعًا للهوى وبعد عن منهج الله وغرس بذور الحقد الحسد والكراهية بين الأبناء، ومن يقوم بتوزيع تركته على أولاده قبل أن يتزوج ثانية لا يحل له ذلك لأن في ذلك ظلم لزوجته الثانية ولأبنائه منها -إن رزق منها بأبناء- وتعطيل لحكم الله تعالى وتعدٍ لحدوده: “وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”، فالواجب ترك الأمور تسير وفق منهج الله تعالى فيكون ذلك بذرًا لبذور المحبة بين الأبناء ودوام العشرة الطيبة.

يقول الشيخ شرف الدين أحمد إسماعيل (عضو لجنة الفتوى بالأزهر):
الواجب ترك كل شيء إلى ما بعد الموت دون توزيع لأن الميراث انتقال تركة ميت إلى أحياء كورثة شرعيين وللأولاد جميعًا للذكر مثل حظ الانثيين.

وعلى الأب أن يعطي أولاده جميعًا ـ الذكور والإناث المكافحين معه ما يساوي جهدهم تقديرًا عادلاً وما يتبقى بعد ذلك يترك ميراثًا شرعيًا للجميع حسب تقسيم الله وتوزيعه بعد الوفاة، وإن قام بتوزيع تركته في حياته قبل وفاته وهو حي، ندم وأثم إثمًا كبيرًا من عدة وجوه منها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر:
1 – تعديه على نظام الله سبحانه الذي فرضه في كتابه الكريم وبلغه في سنة رسوله العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإساءته إلى نفسه بتجرده من ملكيته وتركته في حياته وقبل موته وقد يطرأ عليه ما يجعله يعض شفتيه ويندم وقد يكون ذلك في وقت لا ينفع ولا يفيد فيه الندم.

2 – إساءته لأفراد أسرته بالتفرقة وعدم التسوية وتمييز البعض وتفضيله خروجًا على شرع الله ودينه وقسمته.

3 – إساءته لزوجته وأولاده مستقبلا إن تزوج وأنجب منها وهذا يكون سببًا مباشرًا في إثارة المشاكل والأحقاد بين الزوجة والأخوة والأخوات.

فليتق الله المسلم ولا يظلم نفسه وأسرته ـ فالمال مال الله وقد جعل الله عز وجل التركة للورثة جميعًا بعد الموت فلا يعد نفسه ميتًا قبل أوان موته ويتجرأ على الله ويوزع متعديًا لحدود الله ـ والله يقول ” تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين” الآيتان 13،14 من سورة النساء.

وعلى المسلم أن ينمي ماله بالطرق الحلال والوسائل النظيفة لأن الإسلام يشترط شرف الوسيلة لشرف الغاية ويهتم بالنظافة غاية ووسيلة ومن يعمل من أولاده معه يكافأ بأجر مثله ولا يحرم أحدًا من ورثته من تركته ولا يفضل أحدًا على أحد ولا يميز أحدًا عن أحد طالما يتساوى الجميع في الظروف والأحوال ولا توجد الضرورة لذلك وأن وجدت فتقدر بقدرها.

وأترك أيها المسلم تركتك حيث لا ضرورة لتوزيعها في حياتك، لتوزع في حينها بعد وفاتك حسب شريعة الله جل جلاله وعز سلطانه ليرضى عنك الله ورسوله وليكون المال سببًا في الإخاء والحب والود بين ورثتك وأفراد أسرتك وليس سببًا في زرع الأحقاد والضغائن والعداوات بين الجميع.