كتب الله تعالى لهذا القرآن أن يحفظ ما بقيت السموات والأرض، فقال تعالى :”إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، فقيض له رجالاً حفظوه، وعملوا على خدمته، فوضعوا أصول علم التجويد، وحفظوا طريقة تلاوته كما أنزلت على رسول الله ، وقد أجمع العلماء على أن طريقة التلاوة الواردة عن الرسول وعن أصحابه والتي تلقتها الأمة بالقبول لا يحاد عنها، فلا يجوز تلحين القرآن بألحان الموسيقى .
يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله تعالى في فتاوى دار الإفتاء بالأزهر:
هذا الموضوع خطير، والبحوث المتعلقة به واسِعة الأطراف دقيقة المسلك يعرفها من تَخَصَّص لدراستها، ولا يُحْسِن القول فيها من ليس له إلمام بها، ومن لم يمارس من أمرها شيئًا. ولا بأس أن نُجْمِل القول في ذلك تاركين التفصيل فيه إلى مجال آخر، فنقول:
القرآن الكريم هو كلام رب العالمين، نَزَلَ به الروح الأمين على سيدنا محمد ـ ـ فرَوَاه عنه كما أُنْزِلَ لفظًا وتلاوة، وقرأه على أصحابه جميعًا في الصلاة وغيرها وكرره وأعاده، وروي عنه ـ ـ بالتواتر القاطع، واستمرت الرواية للقرآن لفظًا وتلاوة في كل العصور إلى وقتنا هذا بالتواتر القاطع، وكان ذلك مِن حفْظ الله للقرآن من التحريف والتبديل كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

-وقد أجمع المسلمون في كل العصور على أن القراءات التي يُتلَى بها القرآن مروية عنه ـ ـ وبعضها مروي بالتواتر القاطع.

-وقد استنبط الأئمة من التلاوة المروية أحكامًا ضابطة لها، فضبطوا المد والغَنّ والوقف والإدغام والإشمام والتسهيل، وسائر الأحكام لِيُتْلَى القرآن دائمًا بالكيفية المروية عن الرسول ـ ـ وذلك نَوْع آخر من حِفْظ القرآن الكريم.

-وسَمُّوا الفن الجامع لذلك (علم التجويد) وأجمعوا على أن تلاوة القرآن بغير التجويد على النحو المروي والخروج بتلاوته عنه إثم عظيم.
-ولهذا العلم أئمة ورواة لا يزال الخَلَف منهم ينقلونه عن السَّلَف، ويُعلِّمون الناس كيفية التلاوة طبقًا لأحكامه إلى الآن، والحمد لله.

ولا يجوز أن يُتلَقَّى علم القراءة عمن يجهل هذه الأحكام ولا يعرف من أمرها شيئًا.

إذا تَقَرَّر هذا فموضوع التلحين الذي أثاره بعض الناس الآن بغير داعٍ له ولا مُوجِبَ إذا أرادوا منه إيقاع التلاوة على الوَجْه المشروع الذي يُتلَى به القرآن الآن من وقت أن أُنزِلَ فليس ذلك بجديد، ولا نظن أنهم يريدون ذلك وإلا كانوا عابثين.
وإن أرادوا به تلحين القرآن بالألحان الموسيقية التي تُلَحَّن بها الأغاني والمواويل طبقًا للقواعد الموسيقية، أو أرادوا الترنم به على نحو الترنم الكَنَسي تاركين قراءته على النحو المشروع الذي بَيَّنَّاه، فهذا أمر لا يجوز للمسلمين الإقدام عليه، ومَن أَجَازَه يَرْتَكب أعظم الإثم، ويُدْفَع في صدره بكل قوة. ولا يجوز أن يدخل في أمر التلاوة من يجهل أصولها وأحكامها.انتهى
والخلاصة أن تلحين القرآن بألحان الموسيقى أمر محدث في الدين وهو من البدع المرفوضة شرعًا، وإن توفرت النية الحسنة وراء هذا الفعل.