للكفر معان عديدة ،فيراد به الإلحاد بوجود الله تعالى وبرسالاته ،ويطلق على الشرك بالله تعالى ،والإيمان بتعدد الآلهة،وله معنى ثالث وهو الكفر برسالة محمد ﷺ .
ويعتبر غير المسلمين كفار بهذا المعنى الثالث ،فهم ليسوا ملاحدة ،ولكنهم كفار برسالة النبي ﷺ ،ومن لطيف أدب القرآن أنه كان ينادي أهل الكتاب مع الحكم عليهم بالكفر بألطف العبارات ،فيقول لهم :(يا أهل الكتاب)،وهذا من باب المعاملة الحسنة لهم ،وهو طريق إلى دعوتهم إلى دين الله تعالى .
معنى الكفر
يقول الدكتور يوسف القرضاوي
هناك عدة معان للكفر:
1- من معانيه الإلحاد أي الجحود بوجود الله تعالى وبرسالات السماء وبالدارة الآخرة، وهذا ما يؤمن به الماديون الذين لا يؤمنون بما وراء الحياة، ويقولون إن الحياة مادة فقط وأنه لا إله، فهم ينكرون أن للكون إلها وإن لإنسان روحا ويقولون: إن الألوهية فكرة اختلقها الإنسان وهؤلاء يسمون بالدهريي، ن وقد روى القرآن قولهم هذا: ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر).
2- كفر الشرك بالله تعالى، وأصحابه لا يؤمنون بوحدانية الله تعالى بل يقرون بتعدد الآلهة مع الله، أو من دون الله، ولهذا كان النداء الأول في كل رسالة (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وكان العرب في الجاهلية على هذا الشرك بل قبل أن يؤمنوا برسالة التوحيد التي بعث بها محمد ﷺ.
3-الكفر بدين الإسلام وبرسالة محمد ﷺ” فكل من لم يؤمن بأن محمد عليه الصلاة والسلام رسول من عند الله وأن القرآن كلام الله المنزل عليه من ربه، فهو كافر برسالة محمد وبالقرآن وبدين الإسلام، وإن كان من أهل الكتاب أي يهوديا أو نصرانيا فكفره هنا ليس بمعنى أنه وثني مشرك ولا بمعنى أنه جاحد ملحد، ولكن بمعنى كفره بدين محمد.
و إذا عرفنا مفهوم الكفر بأحد المعاني الثلاثة السابقة، استطعنا أن نحكم على غير المسلمين بما يناسبهم من الكفر ، فليسوا كفارا بمعنى أنهم ملحدون وليسوا كفارا بمعنى أنهم وثنيون ، ولكنهم كفار بدين محمد وهذه حقيقة لا أحسبهم يجحدونها، وإلا لآمنوا به وبكتابه.
و القرآن لم يناد أحدا من مخالفيه بصيغة الكفار بل كان ينادي المشركين مكة بعبارة “يا أيها الناس” وينادي اليهود والنصارى بعبارة “يا أهل الكتاب” باستثناء مرة واحدة نادى فيها المشركين بلفظ الكفر،لقطع المساومات في عبادة غير الله كما كانوا يعرضون على النبي ﷺ فقال: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين) وبهذا جمعت السورة بين نهاية التمسك بالتوحيد والرفض للشرك ونهاية التسامح بختامها ( لكم دينكم ولي دين ).
وأنا شخصيا لا أستعمل في كتاباتي ومحاضراتي كلمة الكفار بل أوثر دائما أن استخدم بدلا منها عبارة غير المسلمين وهذا من الجدال بالتي هي أحسن الذي أمرنا به.
ما هي العلاقة بين المسلم وغير المسلم
علاقة المسلم بمخالفيه في الدين هي علاقة حوار وتسامح وسلام في المسلم مأمور بجوار غيره في قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) كما أنه مطالب بالتسامح مع الآخرين، ومن المعروف أن الإسلام يتسامح مع أهل الكتاب، أكثر من غيرهم، حتى إنه أجاز مصاهرتهم والتزوج من نسائهم، كما أعلن القرآن أن النصارى أقرب مودة للمسلمين من غيرهم كما قال الرسول في حديثه “أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة”.
وهناك عدة أسس تفرض على المسلم أن يكون متسامحا واسع الأفق من بينها اختلاف الخلق في الدين ،فهو واقع بمشيئة الله تعالى المرتبطة بحكمته، كما قال تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وبعد ذلك فإن الذي سيحاسب الكافرين على كفرهم ويجازيهم عليه، هو خالقهم سبحانه وليس الإنسان، وموعده في الآخرة، وليس في الدنيا، ولذا قال القرآن (وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون، الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) ويقول سبحانه وتعالى: ( الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير).
والإسلام يحترم الإنسان ويؤمن بكرامته من حيث هو آدمي كما قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) وروى البخاري عن جابر أنهم مروا على رسول الله ﷺ الجنازة “ميت” فقام لها واقفا، فقالوا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال “أليست نفسا”؟!!.
و ليس بالضرورة أن تكون علاقتنا مع الكفار علاقة قتال وحرب، ما داموا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا، ولم يظاهروا على إخراجنا والقتال في الإسلام له آدابه وأخلاقياته وضوابطه الشرعية فلا يقتل إلا من يقاتل، ولهذا حين رأي النبي ﷺ في إحدى المعارك امرأة مقتولة، أنكر ذلك وقال: “ما كانت هذه تقاتل” ونهى عن قتل النساء والصبيان، والشيخ الكبير كما نهى خلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر عن قتال الرهبان في الصوامع وعن قتل الحراثين الذين لا ينصبون لهم الحرب، وعن قتل التجار وأمثالهم من المدنيين.
والقاعدة في علاقة المسلمين، بغيرهم حددها القرآن في آيتين من كتاب الله وذلك في قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) والمسالمون “من غير المسلمين” لهم البر والقسط من جانب المسلمين، والقسط هو العدل والبر هو الإحسان وهو فوق العدل فالعدل أن تعطي الواجب والبر أن تقدم فوق الواجب، ويكفي أن القرآن اختار في معاملة المسالمين من غير المسلمين كلمة تبروهم وهي كلمة يعبر بها المسلمون عن أقدس الحقوق بعد حق الله وهي كلمة “بر الوالدين.