قال بعض العلماء – وهم المالكيّة – : إن فضلات مأكول اللحم طاهرة فلا حاجة إلى غَسل ما يُصاب بها ، ولو تنجّس الحبل بغير ذَرْق الطيور المأكولة فإن جَفافها بالشَّمس أو الريح يطهرها ، ولا حاجة لصب الماء عليها.
جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبه الزحيلي – رحمه الله تعالى – يقول:
هناك اتجاهان فقهيان في المسالة: أحدهما القول بالطهارة والآخر القول بالنجاسة الأول للمالكية والحنابلة، والثاني للحنفية والشافعية.
قال المالكية والحنابلة: بول ما يؤكل لحمه من الحيوان كالإبل والبقر والغنم والدجاج والحمام وجميع الطيور، ورجيعه وفضلاته (روثه) : شيء طاهر، واستثني المالكية التي تأكل النجاسة أو تشربها فتكون فضلتها نجسة، كما أن ما يكون منها مكروهًا، أبوالها وأرواثها مكروهة، وهكذا فإن أبوال سائر الحيوانات تابعة للحومها، فبول الحيوان المحرم الأكل نجس، وبول الحلال طاهر، وبول المكروه مكروه.
ودليلهم على الطهارة” إباحته عليه الصلاة والسلام للعرنيين (نسبة عُرَيْنة) شرب أبوال الإبل وألبانها، ولأن إباحة الصلاة في مرابض الغنم دليل على طهارة أروائها وأبوالها.
وقال الشافعية والحنفية:البول والقيء والروث من الحيوانات أو الإنسان مطلقًا نجس، لأمره ـ ﷺ ـ بصب الماء على بول الأعرابي في المسجد، ولقوله ـ ﷺ ـ في حديث القبرين: “أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول”، ولقوله ﷺ: “استنزهوا من البول” ولحديث: “أنه ـ ﷺ ـ لما جيء له بحجرين وروثة ليستنجي بها، أخذ الحجرين وردَّ الروثة، وقال: هذا ركس، والركس: النجس” والقيء وإن لم يتغير وهو الخارج من المعدة، نجس؛ لأنه من الفضلات المستحيلة كالبول، ومثله البلغم الصاعد من المعدة، نجس أيضَا، بخلاف النازل من الرأس أو من أقصى الحلق والصدر، فإنه طاهر.
وأما حديث العرنيين وأمره عليه السلام لهم بشرب أبوال الإبل، فكان للتدواي، والتداوي بالنجس جائز عند فَقْدِ الطاهر الذي يقوم مقامه.
إلا أن الحنفية فصلوا في الأمر، فقالوا: بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة مخففة، فتجوز الصلاة معه إذا أصاب المرء ما يبلغ ربع الثوب، وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف.
وأما روث الخيل وخثي البقر، فنجس نجاسة مغلظة عند أبي حنيفة مثل غير مأكول اللحم، لأنه ـ ﷺ ـ رمي الروثة، وقال: هذا رجس أو ركس، ونجس عند الصاحبين نجاسة مخففة، فلا يمنع صحة الصلاة بالثوب المتنجس به حتى يصبح كثيرًا فاحشًا، لأن للاجتهاد فيه مساغًا، ولأن فيه ضرورة لامتلاء الطرق به، ورأي الصاحبين هو الأظهر لعموم البلوي بامتلاء الطرق بها.
والكثير الفاحش: ما يستكثره الناس ويستفحشونه، كأن يبلغ ربع الثوب.
وعلى هذا: يكون بول ما يؤكل لحمه، ورجيع الكلب، ورجيع ولعاب سباع البهائم كالفهد والسبع والخنزير، وخرء الدجاج والبط والأوز لنتنه، من النجاسة الغليظة بالاتفاق، ويعفي قدر الدرهم منها.
وبول الفرس، وبول ما يؤكل لحمه، وخرء طير لا يؤكل كالصقر والحدأة في الأصح لعموم الضرورة، من النجاسة الخفيفة، ويعفي منها ما دون ربع الثوب، أو البدن أي ما دون ربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدنا، وأما الربع فأكثر فهو كثير فاحش.
وأما خرء الطير المأكول اللحم الذي يذرق (أو يزرق) في الهواء، كالحمام، فهو طاهر عند الحنفية، لعموم البلوي به بسبب امتلاء الطرق والخانات بها، كما أن الإمام محمد بن الحسن–صاحب أبي حنيفة– حكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه ومنه الفرس، وقال: لا يمنع الروث وإن فحش لما رأى من بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها. وقال الشافعية: يعفي عن ذرق الطير إذا كثر لمشاقة الاحتراز عنه، وأرى بالأيسر في هذه الأمور ما لم يكثر النجس.