معنى أن دولة الإسلام دولة مدنية ،أنها ليست دولة دينية بالمفهوم الذي شاع في العصور الوسطى ، والتي تجعل علماء الدين وسطاء بين الناس وبين ربهم ، فليس في الإسلام ما يعرف برجال الدين ،وإنما علماء الإسلام.
الدولة في الإسلام
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
الدولة في الإسلام ليست صورة من الدول التي عرفها العالم قبل الإسلام أو بعده إنها دولة متميزة عن كل ما سواها من الدول بأهدافها ومناهجها ومقوماتها وخصائصها.
إنها ليست دولة دينية أو ثيوقراطية تتحكم في رقاب الناس أو ضمائرهم باسم الحق الإلهي.
ليست دولة الكهنة أو رجال الدين الذين يزعمون أنهم يمثلون إرادة الخالق في دنيا الخلق أو مشيئة السماء في أهل الأرض ، فما حلوه في الأرض فهو محلول في السماء ، وما عقدوه في الأرض فهو معقود في السماء !.
فالحق أنها دولة مدنية تحكم بالإسلام وتقوم على البيعة والشورى ويختار رجالها من كل قوي أمين حفيظ عليم ، فمن فقد شرط القوة والعلم أو شرط الأمانة والحفظ فلا يصلح أن يكون من أهلها إلا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات.
على أن الإسلام في مفهومه الصحيح وتطبيقه السليم لا يعرف مصطلح رجال الدين الذي عرف في مجتمعات دينية أخرى، فكل مسلم رجل لدينه ، وإنما يوجد علماء متخصصون في علوم الإسلام وهم أشبه بعلماء الأخلاق والفلسفة والقانون في المجتمعات الأخرى.
علاقة أهل العلم بالدولة
علاقة هؤلاء العلماء بالدولة: أن يقدموا لها واجب النصح الذي فرضه الإسلام لأئمة المسلمين وعامتهم ، وهذا واجب على كل مسلم وهو أوجب على أهل العلم حتى تمضي الدولة في طريق الإسلام الصحيح تحق الحق وتبطل الباطل ، وتحل الحلال وتحرم الحرام.
كما أن عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يخافوا في الله لومة لائم.
وعلى الدولة المسلمة حقًا أن تعينهم على أداء واجب النصيحة والدعوة والأمر والنهي.
وبهذا يسير العلم مع الحكم جنبًا إلى جنب ، ولا يحدث ما حدث في كثير من فترات التاريخ من انفصام بينهما بحيث أصبح العلماء في واد والحاكم في واد ، ولا يقربون إلا الشعراء والمداحين وأمثالهم ، بل الأصل في الحاكم المسلم أن يكون عالمًا بالشرع متمكنا من معرفة الأحكام إلى درجة الاجتهاد كما كان الخلفاء الراشدون ومن سار على دربهم ، فقد كانوا أئمة فقهاء مجتهدين ، ولهذا أجمع الفقهاء على اشتراط الاجتهاد في الخلفاء والقضاة ، ولم يقبلوا من فقد هذا الشرط إلا من باب النزول من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى بحكم الضرورة.
وإذا كانت دولة الإسلام بعيدة عما عرف باسم الدولة الدينية قديمًا فهي أيضًا ليست دولة علمانية سواء تمثلت علمانيتها في إنكار الدين بالكلية ونصب العداوة له واعتباره مخدرًا للشعوب وقائمًا على الخرافة كما هو شأن الدولة الشيوعية ، أم تمثلت في فصل الدين عن الدولة وعزله عن التأثير في الحياة والمجتمع: من سياسة واقتصاد وثقافة وتربية وأخلاق وتقاليد كما هو شأن الدولة في المعسكر الغربي الذي يسمي نفسه العالم الحر وهو العالم الذي لا يجحد وجود الله تعالى ولكن لا يرى حاجة إليه ولا يدع مكانا له في نظامه للحياة كما قال محمد أسد في كتابه الإسلام على مفترق الطرق.
إنها دولة مدنية تقيم في الأرض أحكام السماء وتحفظ بين الناس أوامر الله ونواهيه وبهذا استحقت نصر الله وتمكينه وبغير هذا تفقد مبرر وجودها وبقائها، يقول تعالى:.
(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. (الحج: 47).