إنّ العربون الذي يُدفع تمهيدًا لشراء شيء أو استئجاره يرجع فيه إلى اتفاق الطرفين، أو إلى العرف الجاري في الوسط الذي يتعاقد فيه المتعاقدان.
فلو كان هناك اتفاق على إرجاعه إن لم يتم العقد، أو كان العرف يقضي بذلك وجب إرجاعه لمن دفعه، ولو كان هناك اتفاق على سقوط حق المشتري أو المستأجر فيه إن لم يتم العقد أصلاً، أو لم يتم في مدة معينة، أو كان العرف يقتضي ذلك سقط حقُّه فيه، فالأصل هو الاتفاق، فإن لم يوجد فالعرف. ولا يوجَد نصٌّ يمنع ذلك، وما رواه ابن ماجه أن النبيّ ـ ﷺ ـ “نهى عن بيع العربون” ضعّفه الإمام أحمد وأجاز بيع العربون، لما رواه عن نافع بن عبد الحارث أنّه اشترى لعمر دارًا للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر كان البيع نافذًا، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم.
وقال ابن سيرين وسعيد بن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردَّها ويرد معها شيئًا، وأجازه أيضا ابن عمر، لكن كل ذلك في عقد تمت فيه الصفقة مع الخيار، أما إن لم يتم العقد فالأمر متروك للاتفاق والعرف.
هذا، وقد ذكر الشوكاني في ” نيل الأوطار ج5 ص163 ” أن حديث النهي عن بيع العربون وإن كان ضعيفًا فله طرق يقوي بعضها بعضًا، وأخذ به أبو حنيفة ومالك والشافعي، وعُلِّل حرمتُه عند هؤلاء الأئمة بأن فيه شرطين فاسدين، أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانًا بلا مقابل إن لم يتم العقد ـ وذلك إذا كان الشرط أن يأخذ البائع العربون إذا لم يتم العقد ـ والشرط الثاني الردّ على البائع إذا لم يقع منه الرِّضا بالبيع، وقال: إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجّح الحظر.
ونرى الأخذ بمقتضى الشرط إن وجد فالمؤمنون عند شروطهم، ومثله العرف إن لم يوجد شرط، وما دام الأمر خلافيًّا فلا مانع من الأخذ بأي رأي.