من المجمع عليه عند الفقهاء حرمة الصلاة في الأرض المغصوبة ، ولكن اختلف في حكمها من حيث الصحة والبطلان ، والمختار صحتها مع الإثم ، لأنها كالحج بالمال الحرام ، وأما بناء المساجد بالمال الحرام ، مثل الفوائد الربوية ، أو من الإرث الذي أصله حرام ، فهي جائزة .

يقول الأستاذ الدكتورالشيخ يوسف القرضاوي :

ذَهب بعض الأئمة إلى أن الأرض المغصوبة لا تَصِحُّ الصلاة فيها، وتَقَعُ باطلة، وعلى المُصلِّي أن يُعيدها في مكان آخر غير مغصوب، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.

وذهب الآخرون ـ من الحنفية والمالكية والشافعية ـ إلى أن المُصلِّي يَأثَم بالصلاة في الأرض المغصوبة، وإن لم تَبطُل صلاتُه.

وذكر الإمام ابن قُدامة في (المغني) روايتين عن أحمد في الصلاة قائلاً:

ولنا أن الصلاة عبادة أُتِيَ بها على الوجه المَنْهِي عنه، فلم تَصِح، كصلاة الحائض وصومِها؛ وذلك لأنَّ النهي يقتضي تحريم الفعل واجتنابَه، والتأثيمَ بفعله، فكيف يكون مُطيعًا بما هو عاصٍ به، مُمَتثِلاً بما هو مُحرَّم عليه، مُتقرِّبًا بما يَبْعُدُ به؟ فإنَّ حركاته من القيام والركوع والسجود أفعال اختيارية، هو عاصٍ بها، منهيٌّ عنها .

وقال الإمام الشيرازي في (المُهذب):

“ولا يَجوز أن يُصلَّي في أرض مغصوبة؛ لأن اللَّبْثَ فيها يَحرُم في غير الصلاة، فلأنْ يَحرُم في الصلاة أولى، فإن صلى فيها صَحَّتْ صلاته؛ لأنَّ المَنْع لا يَختَصُّ بالصلاة، فلا يَمنَع صحتها.

قال الإمام النووي في شرح المهذب:

الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع، صحيحة عندنا وعند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الأصول، وقال أحمد بن حنبل والجبائي وغيره من المعتزلة: باطلة، واستَدلَّ عليهم الأصوليون بإجماع مَن قبلهم، قال الغزالي في (المستصفى): هذه المسألة قطعية؛ لأنَّ مَن صَحَّح الصلاة أخذه مِن الإجماع، وهو قطعي، ومن أبطلها أخذه من التضاد والذي بين القُربة والمعصية، ويَدَّعِي كون ذلك مُحالاً بالعقل.. ومن صَحَّحها يقول:

هو عاصٍ من وجهٍ، مُتقرِّبًا من الوجه الذي هو عاصٍ به.

ونقل النووي اختلافَ أصحابه من الشافعية: هل في هذه الصلاة ثواب أو لا؟ فمنهم من قال:
يَسقُط بها الفرْض ولا ثواب فيها، ومنهم من قال: هو مُثاب على فِعْله عاصٍ بمُقامه .

وهذا الخلاف بين الأئمة يَدُلُّنا على ضرورة أن يقوم المسجد في أرض طيبة مملوكة للباني، أو تَبرَّع له بها من يملكها، ومِن ذلك أن يكون مِن المَوَات أو من أراضي الدولة، وتعطيه إذنًا بالبناء فيها، أو نحو ذلك.

وذلك لأن شريعة الإسلام تَحترِم حقوق الأفراد، ومنها حق الملكية، فمن ثَبتَتْ ملكيتُه لشيء بطريقة مشروعة، فلا يَجوز أن يُغتصب مِلْكُه ظلمًا، لأي سببٍ ولو كان لإقامة مسجد به، إلا أنْ تَطيبٍ نفسه به، ببيعٍ أو هِبَةٍ، وإلا كان هذا من كبائر الإثم عند الله تعالى.

ولا مانع أن يُشترَي المسجد بأموال أصلُها مُحرَّم، ولكنْ تَطهر منها صاحبُها، كأن تكون فوائدَ تجمعتْ له لدى بُنوك رِبوية، أو مالاً وَرِثه من أبيه أو جَدِّه، أو نحو ذلك، فهذا المال حرام على من كَسِبَه أن يَستفيد منه، ولكنَّه حلال للفقراء ولِجِهات الخير، ومنها المساجد ونحوها، وقد صَدرتْ فتوى بذلك من المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.