السعي في قضاء حوائج الناس جهد مشكور ومأجور صاحبه إن شاء الله، أما إذا كان هذا السعي سيكون سببا في ضياع حقوق الآخرين، أو ظلمهم أو مساعدة ظالم أو تفضيل بعض الناس على بعض بغير حق فهذا لا يجوز بحال.
وأما الهدايا التي تأخذها من أجل السعي في قضاء حوائج الناس، وحصولهم على حقوقهم فهذا لا يجوز حيث إنه أكل لمال الناس بغير حق وهذا يدفع للمحاباة على حساب الآخرين .

يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة ـ سابقا رحمه الله ـ
قال الله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا) (الآية 85 من سورة النساء).

وجاء في صحيح مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (اشفعوا تؤجروا، ويقضى الله على لسان نبيه ما يشاء).
والشفاعة الحسنة تكون في البر والطاعة كأن تشفع عند والد ليبر ولده، أو عند ولد ليطيع أمه أو عند صاحب شركة أن يوظف بها بعض الشباب ليأكلوا لقمة العيش بعرق الجبين أو عند مسئول ليفتح أبواب العمل أمام الخريجين، وبتلك الشفاعة يكون لمن يقوم بذلك ثواب عظيم وأجر كبير.

وأما الشفاعة السيئة فتكون في المعاصي كأن يشفع إنسان ليضر الناس أو ليوقعهم في عداوات وبغضاء أو ليقدم من لا يستحق على من يستحق أو ليضيع الحقوق على أصحابها ويفوت الفرص المتاحة لهم، أو ليؤخر البعض عن مواكبة ركب الحياة، وبتلك الشفاعة يكون وزر الشافع وزرًا مبينًا، وإن ادعى هذا الشافع شفاعة سيئة بأنه أراد خيرًا ومصلحة، وفي الواقع أنه أراد شرًا وسوءًا فليعلم أن الله حفيظ لأعمال العباد، شهيد عليها، محاسب لهم، في كل صغيرة وكبيرة لكل إنسان بقدر عمله، ثم إنه بمجرد الشفاعة في الخير يؤجر الشفيع ولو لم تقض الحاجة فالله تعالى يقول “من يشفع” ولم يقل ” ومن يشفع”.

وأما مجيء الهدية بعد قبول الشفاعة فتحرج منه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من شفع شفاعة لأحد فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتي بابا عظيمًا من أبواب الكبائر) رواه أبو داود.

ويقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر:
هذه نصوص وحوادث تَحث على الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم من أصحاب الحقوق والمستوفين لها، ما لم تكن الشفاعة في إسقاط حدٍّ أو تخفيفه أو في أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى وصيٍّ أو ناظر على طفل أو مجنون أو وقف أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فكلُّها شفاعة محرَّمة، تَحْرُم على الشافع ويَحْرُمُ على المشفوع إليه قَبُولُها، ويَحْرُم على غيرهما السَّعي فيها إذا عَلِمَها، والحديث صحيح في رفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شفاعة أسامة بن زيد في عدم إقامة حدِّ السرقة على المرأة الشريفة، وفي قَسَمِه أن فاطمة بنته لو سرقت لقطع يدها.