يحرم على الأطباء تيسير الموت بقصد إنهاء عذاب المريض، فإن فعل الطبيب هذا أو أمر به فإنه يعدُّ في نظر الشرع قاتلا متعمدا.
يقول فضيلة الشيخ هاني بن عبد الله الجبير :
القتل أو الموت الرحيم أو قتل الشفقة هو أن يعمد الطبيب إلى إنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه كالمصاب بمرض السرطان أو نقص المناعة، إذا زاد الألم على المريض، وذلك رغبة في إنهاء عذابه.
إما بإعطائه دواء ينهي حياته، أو بنزع جهاز لا يعيش بدونه، كأجهزة التنفس والإنعاش، أو بإيقاف علاج لا يعيش بدونه.
فيرى بعض الأطباء أن الدافع لهذا القتل: دافع إنساني بقصد إنهاء عذاب المريض ومعاناته، وربما معاناة أهله وذويه أيضاً.
وهذا الفعل محرم في الشرع مهما كانت الدوافع، ومتى تعّمد الطبيب أو غيره إنهاء حياة مريض ولو لسببٍ (إنساني) فإنه قاتل، سواء كان موقفه سلبياً بالامتناع عن إعطائه دواء لا يعيش بغيره، أو إيجابياً بأن أعطاه ما ينهي حياته. وهو في كل هذا آثم إثم القاتل العامد، ومهما كان له من مبررات فإن فعله محرم غير جائز.
وذلك لأن الشريعة الإسلامية أباحت للطبيب أن يباشر جسم المريض ويعالجه لأجل جلب المصالح، ودفعاً للمفاسد المتوقع حصولها، وأعظم المفاسد ارتكاب المحرمات الشرعيّة.
وكذلك ليس للمريض الحق في أن يأذن لأحد أن يجري على جسمه فعلاً حرّمه الله، وذلك لأن جسد الإنسان إنّما هو ملك لله تعالى، كما قال تعالى: “لله ملك السموات والأرض وما فيهن”. (المائدة: 120) ولا يحق لأحد أن يتصّرف في مملوك بما يحرمه مالكه.
قال ابن حزم:
( فحرام على كل من أمر بمعصية أن يأتمر بها فإن فعل فهو فاسق عاص لله –تعالى- وليس له بذلك عذر، وكذلك الآمر في نفسه بما لم يبح الله تعالى له، فهو عاص لله تعالى فاسق) المحلى (10/471).
وقال ابن القيّم:
( لا يجوز الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه. ولا أوجب قطعه، كما لو أذن له في قطع أذنه، أو أصبعه، فإنّه لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن). تحفة المودود (ص136).
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لأحد أن يقتل نفسه، ولا أن يقتل غيره بغير سبب شرعي، وليس لأحد كذلك أن يقطع عضواً من أعضائه.
قال ابن حزم: (اتفقوا على أنه لا يحل لأحد أن يقتل نفسه، ولا يقطع عضواً من أعضائه ولا أن يؤلم نفسه..) مراتب الإجماع (ص157).
والقتل محرم قال تعالى: ” والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً” (الفرقان: 68-69).
والصبر على الآلام التي تصيب الإنسان واجب عليه، ومتى طلب إنهاء حياته فهو كالمنتحر يشترك مع الطبيب في الإثم.
وحتى في القوانين الوضعية في الدول التي تحكم بها فإن قتل الشفقة يعتبر فعلاً محرماً ولم تأذن في أن يجريه الطبيب سواء بطلب المريض أو ذويه.
ولا شك أن هذا الفعل محرم، ولا أظن أن في مثل هذه القضايا متّسعاً للخلاف بين أهل الفتوى، فهو قتل محرم شرعاً، والألم ليس عذراً في قتل النفس، فقد جاء في الحديث عن جندب –رضي الله عنه- أن رسول الله –ﷺ- قال : “كان برجل جراح ،فقتل نفسه، فقال الله عز وجل: “بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة” البخاري (1364)؛ مسلم (113)
وقال تعالى: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” (النساء:29) وتكاد تكون هذه الآية نصا في الموضوع؛ لما فيها من تعليل النهي عن قتل النفس برحمة الله بعباده، وقال: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” (الأنعام: 151).
وفي بعض روايات الحديث المتقدم في صحيح مسلم: “أن رجلاً ممن كان قبلكم فخرجت به قرحة فلما آذته انتزع سهماً من كنانته فنكأها فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: “قد حرمت عليه الجنة”.
وثبت في الحديث أيضاً أن رجلاً قاتل مع النبي –ﷺ- فجرح جرحاً شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه فتحامل عليه فقتل نفسه، فقال النبي –ﷺ- هو في النار، صحيح البخاري (6606)؛ مسلم (112).