الطلاق إجراءً يتَّخذه الزوج للوصول إلى الفرقة ، وليس فيه للإكراه ، أو الانفعال أو الغفْلة مكان ، ومجال الطلاق مجال جِدٍّ ، وليس مجالُ عَبَثٍ ولَهْوٍ ، وتهديد ، فلا ينبغي أن يكون عُرضة للحلف به ، ولا وسيلة للتهديد عن طريقه ، ولذا لا تقع به فُرقة في الزوجية.
يقول الدكتور محمد البهي عميد كلية أصول الدين الأسبق-رحمه الله-:
إنّ النطق بالطّلاق هو تعبير عن العَزم النفسي المُبَيَّت على فُرقة الزوج لزوجته، والطلاق بذلك إنهاء لعقد الزوجية، وعدد مرّاته الثلاث هي مراحل لاختبار العلاقة الزوجية في مدى صلاحيتها للبقاء، رغم التوتُّر في النفوس وتكرار الأزمات. فعندما يقول الله ـ تعالى ـ : (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) (البقرة 229). فإنّه يعطي فرصة بعد أخرى لمراجعة أحوال هذه العلاقة، وكشْف مدى ثباتها واهتزازها عند الأحداث.. وهي أحداث الخِلافات والنزاعات التي تنشأ عن المفارَقة في الطبائع. وهي مفارَقة قائمة.
ولكن قد يتغلب عليها بالحِكمة والفَهم الواقعيّ لحياة الإنسان أو بالمراجعة المُستمرّة للوضع الثنائي بين الطّبيعتين وما يتطلّبه من مُرونة وتعاون، بدلاً من التشدُّد والمحافظة على استقلال الذات، وعندما يقول ـ سبحانه ـ في بَقِيّة مراحل الطلاق: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْروفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة 229). يُوضِّح، كما أن المرحلة الأخيرة هي فرصة للمراجعة، فرصةٌ كذلك لإنهاء عقد الزوجية؛ لأن الأمر يصل بهذه المراحل الثلاث إلى نقطة قد يبدو فيها للطرفينِ أن التفرِّقة هي السبيل الضروري ولكنه البغيض لكل منهما.
وبذلك يكون الطلاق إجراءً يتَّخذه الزوج للوصول إلى هذه الفرقة، وهو عمل إراديٌّ بحْتٌ، ليس فيه للإكراه، أو الانفعال أو الغفْلة مكان ومن أجل ذلك لا يقع طلاق المُكْرَه، أو السَّكران أو الغضبان.
ومجال الطلاق مجال إنسانيٌّ، ولذا مع حِلِّه ومشروعيتِه فإنه أبغضُ الحلال عند الله، ومعنى كون مجاله مجالاً إنسانيًّا أنه مجالُ جِدٍّ، وليس مجالُ عَبَثٍ ولَهْوٍ، وتهديد أي لا ينبغي أن يكون الطلاق عُرضة للحلف به، ولا وسيلة للتهديد عن طريقه.. ولحمْل الآخرين على قَبول أمر ما.
فلا ينبغي مع ذلك استخدام الطلاق في غير مَوْضعه ، والمُثَقّف ـ والمؤمِن كذلك ـ هو الذي يحتفظ للطلاق بحُرمته في الجديَّة، وبصوته عن أن يكون طريقًا لحمل الآخرين على قَبول أمر ما يُراد قَبوله، والمنطق هو الوسيلة الصحيحة والطبيعية للإقناع والاقتناع.