ذهب جمهور الفقهاء إلى أن العدالة شرط في الحاضن، ومن ثم فمن اشتهر بفسق تنتقل عنه الحضانة إلى من يليه، وخالف في ذلك بعض الفقهاء منهم العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني فذهبوا إلى أن القول بسقوط الحضانة عن الفاسق لم يقم عليه دليل.
ومن ثم فتقدير الأمر في حال النزاع يكون لقاضي الموضوع، حيث يقضي بما يتراءى له من المصلحة.
ولتفصيل ذلك يمكنك الاطلاع على هذه الفتوى :
فسق الحاضن وأثره على الحضانة
بعد انتهاء فترة الحضانة فإن الابن يخير بين أمه وبين أبيه، وحتى تلك اللحظة على الأم أن تعلمه حال أبيه وتبيني له خطر ما عليه من فسق إن كان كذلك، وأن الأنفع له أن يظل معها، وإن اضطر إلى الذهاب إلى أبيه فعليه أن يحفظ نفسه أو يتركه إن لم يمكنه الحفاظ على نفسه من الفتنة، ويساعده على ذلك أن تعلمه الأم وترشده وتحفظه القرآن والحديث مع فهم مبادئ الإسلام ..إلخ.
فقد فذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن الأولاد بعد انتهاء الحضانة يخيرون في البقاء مع أبيهم أو مع أمهم، والتخيير في الحضانة مشروط بأمرين :
الأول : السلامة من الفساد، فإذا عُلم أن الطفل يختار أحدهما ليمكنه من الفساد، ويكره الآخر لما سيلزمه به من أدب، فلا اعتبار لاختياره في هذه الحالة؛ لأنه مبني على الشهوة، فيكون فيه إضاعة له.
الثاني : أن يظهر للحاكم معرفته بأسباب الاختيار.
وقال الحنفية إن الطفل إذا استقل بنفسه في شؤونه الخاصة فالأب أحق به، وقال مالك إن الطفل لا يخير في حاضنه إلا بعد بلوغه.
جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي :
الغلام إذا بلغ سبعا، وليس بمعتوه، خير بين أبويه إذا تنازعا فيه، فمن اختاره منهما، فهو أولى به قضى بذلك عمر، وعلي، وشريح وهو مذهب الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة : لا يخير، لكن قال أبو حنيفة : إذا استقل بنفسه، فأكل بنفسه، ولبس بنفسه، واستنجى بنفسه، فالأب أحق به ومالك يقول : الأم أحق به حتى يثغر، وأما التخيير، فلا يصح؛ لأن الغلام لا قول له، ولا يعرف حظه ، وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه، ويمكنه من شهواته، فيؤدي إلى فساده، ولأنه دون البلوغ، فلم يخير، كمن دون السبع.
ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي ﷺ خير غلاما بين أبيه وأمه. (رواه سعيد بإسناده والشافعي. وفي لفظ عن أبي هريرة قال : جاءت امرأة إلى النبي -ﷺ- فقالت : يا رسول الله! إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال له النبي -ﷺ- : “هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت” فأخذ بيد أمه فانطلقت به”. (رواه أبو داود).
ولأنه إجماع الصحابة، فروي عن عمر، أنه خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد، وروي عن عمارة الجرمي، أنه قال : خيرني علي بين عمي وأمي، وكنت ابن سبع أو ثمان وروي نحو ذلك عن أبي هريرة.
وهذه قصص في مظنة الشهرة، ولم تنكر، فكانت إجماعا، ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد، فيقدم من هو أشفق؛ لأن حظ الولد عنده أكثر , واعتبرنا الشفقة بمظنتها إذا لم يمكن اعتبارها بنفسها، فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه، ويميز بين الإكرام وضده، فمال إلى أحد الأبوين، دل على أنه أرفق به، وأشفق عليه، فقدم بذلك وقيدناه بالسبع؛ لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة؛ ولأن الأم قدمت في حال الصغر، لحاجته إلى حمله، ومباشرة خدمته، لأنها أعرف بذلك، وأقوم به، فإذا استغنى عن ذلك، تساوى والداه لقربهما منه، فرجح باختياره.
فإذا كان اختيار الطفل لأحد الأبوين مبنيا على رغبته في اللعب ونفوره من التعلم فإن القاضي يقضي في هذا الشأن بضمه لمن يصلحه.
قال الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد :
متى أخل أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله والآخر مراع له فهو أحق وأولى به. وسمعت شيخنا -رحمه الله- يقول : تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام، فخيره بينهما فاختار أباه، فقالت له أمه : سله لأي شيء يختار أباه؟ فسأله، فقال : أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني ، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم. قال : أنت أحق به.
قال شيخنا : وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه فهو عاص ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له، بل إما أن ترفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان.