يجوز الإقتداء بإمام الجمعة هذا إذا لم يكن بين العمارتين طريق يمر فيه المارة أثناء الصلاة، فإن جمهور العلماء على أن الطريق الفاصل بين الإمام والمأموم يمنع صحة الاقتداء، وبعض العلماء قال بأنه لا يمنع إن أمكنت المتابعة ، وإن كان طريق بين العمارتين ولكن منع من المرور فيه أثناء الصلاة فيصح الاقتداء ، وخاصة إذا كان يصلي فيه المصلون في صلاة الجمعة، كما يحدث غالبا في مصر.
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : ( احتجز رسول الله ﷺ حُجرة مخصفة ( أي منسوجة من سعف النخل وهو الحصير ) فصلى فيها فتتبع إليه الرجال ، وجاءوا يصلون بصلاته ) الحديث وفيه : ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) متفق عليه .
وهذا الحديث يدل على جواز اقتداء المأموم ولو كان الإمام في حجرة لا يراه المأموم ، أو كان أحدهما في السطح والآخر في المكان الأسفل ، فالعبرة بإمكان الاقتداء إذا كانا جميعاً بالمسجد ، فجواز هذا محل اتفاق بين الأئمة .
وكذلك فإن الحديث دليل على أن الحائل بين الإمام والمأمومين غير مانع من صحة الصلاة والاقتداء ، وقال النووي : يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقال الإمام ، سواء صليا في المسجد أو في غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره بالإجماع .هـ .
وإن كان أحدهما خارج المسجد ورأى الإمام أو المأمومين ، ولو لم تتصل الصفوف صحت لانتفاء المفسد ووجود المقتضي للصحة ، وهو الرؤية وإمكان الاقتداء .
وفي الإنصاف : المرجع في اتصال الصفوف إلى العرف على الصحيح من المذهب .
قال في المعنى : فلا يقدر بشيء وهو مذهب مالك والشافعي ، لأنه لا حد في ذلك لأنه لا يمنع الاقتداء ، فإن المؤثر في ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت ، واشترط النووي أن لا تطول المسافة في غير المسجد ، وهو قول جمهور العلماء . مختصراً من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 251 .
وقد سئل الإمام ابن تيمية عن مثل هذه المسألة فأجاب :
وأما صلاة المأموم خلف الإمام : خارج المسجد أو في المسجد وبينهما حائل فإن كانت الصفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة وإن كان بينهما طريق أو نهر تجري فيه السفن ففيه قولان معروفان هما روايتان عن أحمد : أحدهما : المنع كقول أبي حنيفة . والثاني : الجواز كقول الشافعي .
وأما إذا كان بينهما حائل يمنع الرؤية والاستطراق ، ففيها عدة أقوال في مذهب أحمد وغيره . قيل : يجوز وقيل : لا يجوز . وقيل : يجوز في المسجد دون غيره . وقيل : يجوز مع الحاجة ولا يجوز بدون الحاجة . ولا ريب أن ذلك جائز مع الحاجة مطلقا : مثل أن تكون أبواب المسجد مغلقة أو تكون المقصورة التي فيها الإمام مغلقة أو نحو ذلك . فهنا لو كانت الرؤية واجبة لسقطت للحاجة . كما تقدم فإنه قد تقدم أن واجبات الصلاة والجماعة تسقط بالعذر وأن الصلاة في الجماعة خير من صلاة الإنسان وحده بكل حال .انتهى
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :-
يشترط لصحة الاقتداء ألا يكون بين المقتدي والإمام فاصل كبير . وهذا الشرط محل اتفاق بين فقهاء المذاهب في الجملة , وإن اختلفوا في بعض الفروع والتفاصيل
على النحوالتالي :
أولا – بعد المسافة :
فرق جمهور الفقهاء بين المسجد وغير المسجد فيما يتعلق بالمسافة بين الإمام والمقتدي , فقال الحنفية والشافعية والحنابلة : إذا كان المأموم يرى الإمام أو من وراء الإمام , أو يسمع التكبير وهما في مسجد واحد صح الاقتداء , وإن بعدت المسافة .
أما في خارج المسجد فإذا كانت المسافة قدر ما يسع صفين فإنها تمنع من صحة الاقتداء عند الحنفية , إلا في صلاة العيدين , وفي صلاة الجنازة خلاف عندهم .
ولا يمنع الاقتداء بعد المسافة في خارج المسجد إذا لم يزد عن ثلاثمائة ذراع عند الشافعية . واشترط الحنابلة في صحة الاقتداء خارج المسجد رؤية المأموم للإمام أو بعض من وراءه . فلا يصح الاقتداء إن لم ير المأموم أحدهما , وإن سمع التكبير , ومهما كانت المسافة .
ولم يفرق المالكية بين المسجد وغيره ولا بين قرب المسافة وبعدها , فقالوا بصحة الاقتداء إذا أمكن رؤية الإمام أو المأموم أو سماع الإمام ولو بمسمع .
– ثانيا – وجود الحائل وله صور :
– الأولى : إن كان بين المقتدي والإمام نهر كبير تجري فيه السفن ( ولو زورقا عند الحنفية ) لا يصح الاقتداء , وهذا باتفاق المذاهب , وإن اختلفوا في تحديد النهر الكبير والصغير . فقال الحنفية والحنابلة : النهر الصغير هو ما لا تجري فيه السفن.
وقال المالكية : هو ما لا يمنع من سماع الإمام , أو بعض المأمومين , أو رؤية فعل أحدهما .
– الثانية : يمنع من الاقتداء طريق نافذ يمكن أن تجري فيه عجلة , وليس فيه صفوف متصلة عند الحنفية والحنابلة . قال الحنفية : لو كان على الطريق مأموم واحد لا يثبت به الاتصال , وبالثلاث يثبت , وفي المثنى خلاف .
ولا يضر الطريق إذا لم يمنع من سماع الإمام أو بعض المأمومين أو رؤية فعل أحدهما عند المالكية , وهو الصحيح عند الشافعية , ولهذا صرحوا بجواز صلاة الجماعة لأهل الأسواق وإن فرقت الطرق بينهم وبين إمامهم . والرواية الثانية عند الشافعية يضر , لأنه قد تكثر فيه الزحمة فيعسر الاطلاع على أحوال الإمام . هذا , وأجاز أكثر الفقهاء الفصل بطريق في صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الخوف ونحوها.
– الثالثة : صرح الحنفية والشافعية , وهو رواية عن الحنابلة , بأنه إذا كان بين الإمام والمأموم جدار كبير أو باب مغلق يمنع المقتدي من الوصول إلى إمامه لو قصد الوصول إليه لا يصح الاقتداء , ويصح إذا كان صغيرا لا يمنع , أو كبيرا وله ثقب لا يشتبه عليه حال الإمام سماعا أو رؤية , لما روي أن النبي ﷺ { كان يصلي في حجرة عائشة رضي الله عنها والناس في المسجد يصلون بصلاته } .
قال الشافعية : فإن حال ما يمنع المرور لا الرؤية كالشباك أو يمنع الرؤية لا المرور كالباب المردود فوجهان .
وعلى هذا الاقتداء في المساكن المتصلة بالمسجد الحرام وأبوابها من خارجه صحيح , إذا لم يشتبه حال الإمام لسماع أو رؤية , ولم يتخلل إلا الجدار , كما ذكره شمس الأئمة فيمن صلى على سطح بيته المتصل بالمسجد أو في منزله بجنب المسجد وبينه وبين المسجد حائط مقتديا بإمام في المسجد وهو يسمع التكبير من الإمام أو من المكبر تجوز صلاته . ويصح اقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت , ولا يخفى عليه حاله .
ولم يفرق المالكية , وهو رواية عند الحنابلة بين ما إذا كان الجدار كبيرا أو صغيرا , فقالوا بجواز الاقتداء إذا لم يمنع من سماع الإمام أو بعض المأمومين أو رؤية فعل أحدهما .
ويشترط في الاقتداء علم المأموم بانتقالات الإمام , بسماع أو رؤية للإمام أو لبعض المقتدين به , لئلا يشتبه على المقتدي حال الإمام فلا يتمكن من متابعته , فلو جهل المأموم أفعال إمامه الظاهرة كالركوع والسجود , أو اشتبهت عليه لم تصح صلاته , لأن الاقتداء متابعة , ومع الجهل أو الاشتباه لا تمكن المتابعة , وهذا الشرط متفق عليه عند الفقهاء .
وقد تقدم أن الحنابلة لا يجوزون الاقتداء خارج المسجد بالسماع وحده . بل يشترطون في إحدى الروايتين رؤية المأموم للإمام أو بعض المقتدين به , لقول عائشة لنساء كن يصلين في حجرتها : لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب ولأنه لا يمكنه المتابعة في الغالب . وأما على الرواية الأخرى فالحنابلة يكتفون بالعلم بانتقالات الإمام بالسماع أو بالرؤية .انتهى
والخلاصة أن المأموم إن كان يعلم حال الإمام من خلال المشاهدة أو السماع ،ولو بمكبر صوت أو مبلغ ،فالصلاة صحيحة إن شاء الله تعالى .