ذهب بعض العلماء إلى تأخير الصبيان في الصفوف، وجعلهم في أواخر الصفوف، وإذا تقدم أحد منهم فعلى الناس أن يرجعوه إلا أن الراجح عكس ذلك، وهو أن الطفل المميز إذا سبق إلى مكان فهو أحق به، وليس لأحد أن يرده إلى الخلف، ومن أتى بعده فعليه أن يقف خلفه حتى لو كان رجلا مسنا؛ لأن تأخير الأطفال وإرجاعهم فيه تبغيض للأطفال في المساجد، واحتقار وامتهان لهم، ولم يأذن الله بهذا، وعلى كبار السن أن يسارعوا إلى الصف الأول ويسبقوا هؤلاء الأطفال إذا أرادوا حيازة الفضل والأجر.
هل مِن استواء الصُّفوفِ أن يتقدَّمَ الرِّجَالُ ويتأخَّرَ الصبيان
قال بعض العلماء : إنَّ هذا مِن تسوية الصُّفوفِ وكمالِها، أنْ يكون الرِّجالُ البالغون هم الذين يلون الإِمامَ، وأن يكون الصبيانُ في الخلفِ، فإذا كان عندنا مائة رجُل يمثِّلون صَفًّا، ومائة صبيٍّ يمثِّلون نصف الصَّفِّ، نجعلُ المائة الرَّجُل الصفَّ الأول، ومائة الطفل الصفَّ الثاني، حتى لو تقدَّم صبيٌّ إلى الأول أخَّرْنَاه؛ لأنَّ استواء الصفِّ أن يكون الرِّجالُ البالغون هم المقدَّمون.
واستُدِلَّ لذلك: بقول الرسول ﷺ: «لِيَلِني منكم أُولُو الأحْلامِ والنُّهى» .
ولكن في هذا نظرٌ، بل نقول: إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به، والمساجدُ بيوتُ الله، يستوي فيها عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول – مثلاً – وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ، ثم هنا مشكل، إذا دخل الرِّجالُ بعد أن صفَّ الجماعة هل يُرجعونهم، وهم في الصلاة؟ وإن بَقَوا صفًّا كاملاً فسيُشوِّشون على مَنْ خلفَهم مِن الرِّجَال.
المحاذير في تأخير الصبيان عن الصف الأول
المحذور الأول: كراهة الصَّبيِّ للمسجدِ؛ لأن الصَّبيَّ – وإنْ كان صبيًّا – لا تحتقره، فالشيء ينطبع في قلبه.
المحذور الثاني: كراهته للرَّجُل الذي أخَّره عن الصَّفِّ.
فالحاصل: أنَّ هذا القولَ ضعيفٌ، أعني: القول بتأخير الصِّبيان عن أماكنهم، وأما قوله ﷺ: «لِيَلِني منكم أُولُو الأحلامِ والنُّهى» فمرادُه – صلوات الله عليه وسلامه – حَثُّ البالغين العقلاء على التقدُّم؛ لا تأخير الصِّغار عن أماكنهم.