قال الله -تعالى- في سورة “ص” في معرض المدح والثناء على سيدنا سليمان -عليه السلام-: “نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ” (ص: 30-33)، وقد ذكر كثير من المفسرين أن سيدنا سليمان -عليه السلام- لما غزا أعداءه، وغنم غنائم كثيرة من الخيول، جعل يستعرضها منذ وقت العشي، حتى غابت الشمس؛ فلما غابت أدرك أنه غفل عن صلاة العصر، أو عن ورد من ذكر الله، كان يذكره وقت العشي، فأمر بردّ الخيل عليه، ثم قام فعقرها جميعا بسيفه؛ لأنها ألْهَتْه عن ذكر الله.
ويرى الإمام الفخر الرازي وغيره من المحققين أن هذه الكلام غير صحيح، ولا أصل له،وإن قال به كثير من المفسرين؛ لأن الآية الكريمة ذُكرت في سياق المدح والثناء على سيدنا سليمان -عليه السلام-؛ فكيف يُمدح ويثنى عليه بالانشغال بمظاهر الملك عن الصلاة أو عن ذكر الله، وهو الموصوف في أول الآية بأنه أوّاب؛ أي كثير الدعاء والرجوع إلى الله، والتسبيح له؟! كما أن الله في الآية الكريم أمر سيدنا محمدا أن يذكرها لقومه كمثال من مواقف سليمان في كمال عبوديته له، وتسبيحه إياه؛ فكيف يكون ذلك كله مع تركه الصلاة، والانشغال باستعراض ماله عنها؟
والمعنى الصحيح هو المعنى الظاهر للآية دون تأويل؛ لأنه لا يُلجأ إلى التأويل إلا عند استحالة المعنى الظاهر، والمعنى الظاهر هنا هو الموافق لعصمة الأنبياء -عليهم السلام- وجلالة قدرهم، وعظمة منصبهم، وهو أن سيدنا سليمان جلس وقت العشي يستعرض الخيول، التي أعدها للجهاد في سبيل الله، كما أمره الله -عز وجل- فجرت الخيول من بين يديه حتى غابت عن نظره، ثم عادت، فقام منفردا إليها سعيدا بها يمسح بلطف وحنو سوقها وأعناقها؛ لأنها وسائل الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة، ونشر دينه.
وقد علق الإمام فخر الدين الرازي على هذه الحكاية الملفقة بقوله: “الدلائل الباهرة عن المنقول والمعقول قد دلّت على وجوب عصمة الأنبياء، فاتباعها أولى من اتباع حكايات لا ندري أنها في أول الأمر من رئيس الملاحدة أو موضوعات اليهود.