الشّهادة التي وعد الله عليها الثواب العظيم بالجنّة لا تكون إلا للمؤمن، وعلى أن تكون الحَرب من أجل أن تكون كلمة الله هي العُليا، وهذه هي الشهادة العظمى، فهناك شَرطان لاستحقاق الإنسان ثوابها العظيم، الإيمان والإخلاص في الجهاد.
وقبل الإسلام كان هناك شهداء أبلَوا بلاءً حسنًا في الدفاع عن عقيدتِهم وأطلق عليهم لقب ” الشَّهيد ” ففي هؤلاء تحقق الإيمان بالنبيِّ المرسَل إليهم، أما الإخلاص فمرجعه النِّيّة، والله وحده هو العليم بها، ونحن لنا الظّاهر في إطلاق الاسم ومعاملة صاحبه في الدنيا على ضوئه، مع ترك الحكم عليه في الآخرة لله سبحانه.
وبعد الإسلام لا يُقبل من أحد غير هذا الدِّين ليكون مؤمنًا، قال تعالى: ( إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسْلامُ ) ( سورة آل عمران : 19 ) وقال لنبيِّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: ( وقُلْ للذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والأميِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فإنْ أسلموا فقد اهتدَوا وإنْ تَوَلَّوا فإنّما عليك البَلاغ واللهُ بَصيرٌ بالعِبادِ ) ( سورة آل عمران : 20 ) .
هل يمكن للشهيد أن يكون غير مسلم
الذي يحارِب الآن دفاعًا عن العقيدة والحقوق ويموت إن لم يكن مسلمًا فلم يتحقّق فيه الشرط الأول، وبذلك لا يُعتبر من وجهة النظر الإسلاميّة شهيدًا، وإن كان مسلمًا فقد تحقّق الشرط الأول ويبقى الشرط الثاني لا لإطلاق اسم الشهيد عليه، ولكن لاستحقاقه المنزلة العالية في الجنّة، وهو الإخلاص الذي نصَّ عليه في الحديث:” مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله ” رواه البخاري ومسلم .
أما ما قام به غير المؤمنين من جهاد وبطولات فليس لهم ثواب في الآخرة عليها كما قال تعالى:( وقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فجَعَلْناه هَباءً مَنثُورًا ) ( سورة الفرقان : 23 ) .
ولهم ثوابهم في الدنيا من مثل تقدير النّاس لهم والتعامُل معهم وأخذهم استحقاقاتهم على أعمالهم ، فحينما دَعا إبراهيم عليه السلام ربّه أن يرزُق أهْلَ البلدة ” مكّة ” المؤمنين من الثّمرات بين له ربّه أن الرِّزْق الدنيويّ يَنال منه المؤمنون وغيرُ المؤمنين قال تعالى:( وإذْ قَالَ إبْراهيمُ ربِّ اجعلْ هذا بلدًا آمِنًا وارْزُقْ أهلَه من الثَّمَراتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ باللهِ واليَوْمِ الآخِر قالَ ومَنْ كَفَرَ فأمِّتِّعُه قَليلاً ثُمَّ أضطرّهُ إلى عذاب النّار وبئسَ المَصير ) ( سورة البقرة : 126 ) وقال سبحانَه في موضع آخر ( ويومَ يُعْرَضَ الذِينَ كَفروا على النّارِ أذهبتُم طَيِّباتِكم في حياتِكم الدُّنيا واستمتعْتُمْ بها فاليومَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنْتُمْ تَستكبرونَ في الأرْضِ بغَيْرِ الحَقِّ وبِما كنتم تَفسُقونَ ) ( سورة الأحقاف : 20 ) .
ذلك ما قاله ربُّ العزّة وأكّده رسوله، وهو الحقّ الذي لا مَعدى عنه، فمَن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفُر.