الشك في العقيدة يعتبر في حياة المسلم في الغالب شيئا عارضا، ليس له تأصيل كبير في حياته ، فمن الجيد أن يبوح بما في نفسه ، حتى لا يأخذ الشك طريقه دائما في حياته ، بل هو شيء عارض ، نسأل عنه ، حتى يزول ما بنا إن شاء الله تعالى .
إن في حياة كل إنسان يوميا ما يجعله مؤمنا بالله تعالى ، فحين يوسوس الشيطان لنا بالشك في الإيمان بالله تعالى ، فيجب أن نفكر في حياتنا ، من نحن ؟ وكيف أتينا ؟ ومن الذي يسير حياتنا ؟ ومن الذي يرزقنا ؟ ومن الذي يرعانا ليل نهار؟ ومن الذي يدبر كل الأمور؟ إن كل صنعة لها صانع ، ونحن صنيعته ، وحين البحث عن الصانع لا نجد إلا الله تعالى ، خالق الكون كله ، ومدبر الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ؟
تذكر أيها المسلم في حياتك ، كم أنجاك الله تعالى من كرب؟ وكم كان معك من موقف؟ وكم وفقك في أمور من حياتك ؟ وكم وهبك من نعمه مما لا يعلمه في حياتك إلا أنت؟
إن وجود الله تعالى لا يحتاج إلى دليل ، لأن كل الأدلة ظاهرة على وجوده ، وما ينكر الشمس إلا أعمى، فإن كل الناس يرونها، فهذه الشمس ، فما بالنا بالذي خلق الشمس والقمر وكل الخلق أجمعين ؟
نطلب منك أخي المسلم أن تقرأ في الإعجاز العلمي كثيرا ، فإنه مما يدل على الله تعالى ، فالعلماء يدركون أن الماء يتكون من الأوكسجين والنيتروجين ، وعندهم المادتان ، لكنهم ما استطاعوا أن يصنعوا قطرة من ماء؟ فمن الذي خلقه وأوجده لنا ؟ إنه الله تعالى ، القادر على كل شيء ، المصرف للكون بما يشاء ” إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون “، انظر في نفسك ، وفي جسدك ، من الذي يحركه ، ومن الذي يسيره، وأنت نائم ، بل وأنت مستيقظ ، من الذي يجعل الأجهزة تقوم بوظيفتها؟ وتلك الحسابات الدقيقة للجسد ، والإشارات التي يعطيها المخ للأعضاء والأعضاء للمخ، كيف يتم هذا ؟ إنه يتم دون إرادة منا ، ودون علم لنا فيه .

من الذي أوجدنا من نطفة إذا تمنى؟ وعلى الهيئة التي خلقنا بها؟ من الذي أعطانا لونا ، بينما غيرنا له لون آخر؟ حجمنا وحجم غيرنا ؟ لغتنا ولغة غيرنا؟ إحساسنا وإحساس غيرنا؟ أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى هي دالة على وجوده سبحانه وتعالى ، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا وسوس الشيطان للإنسان في هذا الأمر أن يكثر من الاستعاذة بالله تعالى ، و أن يقول:” الله ربي ، لا إله إلا هو” ، ولكن اطمئن فهذه وسوسة كأعجاز نخلة خاوية ،لا تثبت في حياتك، ولكن عليك أن توقظ مواطن الإيمان في نفسك .

و يقول الأستاذ جمال عبد الناصر الباحث في العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم :
من نعم الله علينا أن منَّ علينا بالإيمان، فهذا فضل من الله كبير يتوجب علينا أن نشكره، ومن نعمه علينا أيضا أن وهبنا عقلا وحواسَّ ندرك بها بديع خلقه والأدلة الكونية على وجوده.
إن كل شيء يدل على وجود الله سبحانه وتعالى، إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه، فما ثم إلا خالق ومخلوق، وقد نبه القرآن الكريم إلى دلالة كل شيء على الله تعالى، كما في قوله عز وجل: {قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء} (الأنعام: 164). ‏
‎‎وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
‎‎ وقد سئل أحد الأعراب سؤالاً موجهاً إلى فطرته السليمة، فقيل له: كيف عرفت ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وجبال وأنهار، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟ ‏
‎‎وقد ذكر لنا القرآن استدلالات لأنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم حينما كانوا يناظرون ويجادلون بعض الملاحدة الذين ينكرون وجود الله، وإن كانوا في قرارة أنفسهم ليسوا كذلك، وإنما كانوا يقولون هذا تكبراً وعناداً واستعلاءً في الأرض.

وهذين المثالين من كتاب الله جل وعلا: ‏
‎‎المثال الأول: نبي الله إبراهيم عليه السلام مع الطاغية النمرود بن كنعان:‏
‎‎ قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 258). ‏
‎‎ فقوله {ربي الذي يحي ويميت } أي: أن الدليل على وجوده سبحانه حدوث هذه الأشياء ووجودها بعد عدمها. ‏
‎‎ المثال الثاني:موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون مصر، وما كان بينهما من المقاولة والجدل، وما استدل به موسى على إثبات وجود الله تعالى. وقد جاء ذلك في مواضع من القرآن. ‏
قال تعالى: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه: 49-50. ‏أي أنه قد ثبت وجود وخلق وهداية للخلائق، ولا بد لها من موجد وخالق وهاد، وذلك الخالق والموجد والهادي هو الرب سبحانه، ولا رب غيره. ‏
وفي موضع آخر قال سبحانه: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنْتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (الشعراء: 23-28). ‏
‎‎ والمقصود أن منهج الأنبياء في الاستدلال على ربوبية الله ووجوده هو استشهاد هذا الكون بأجمعه، واستنطاق الفطرة بما تعرفه وتقر به من حاجة الخلق إلى خالق، وافتقار البرية إلى بارئ.
وأحد العلماء الغربيين الذي كان يتابع تطورات خلق الجنين بالموجات فوق الصوتية عندما لاحظ الجنين ساعة نفخ الروح فيه توقف صارخا:
Here is the god
“هنا الله”..
علم أن هذا أمر لا طاقة له ولا للبشر به، ولا يستطيع إدراكه بأجهزته، وصدق ربنا تبارك وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85).
هكذا فمن سار في طريق الإيمان نجا وفلح، ومن سار في طريق التيه والضلال خاب وخسر، يقول الله تبارك وتعالى:
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه: 124 ـ 126).

تعال معنا أخي المسلم نتعرف على الإيمان بالله في عجالة:
إن الإيمان هو جوهر الدين، والعقيدة الصحيحة هي قاعدته السليمة التي ينهض عليها وهي الدافع القوي إلى العمل الصالح. فالانحراف عن العقيدة الصحيحة مهلكة وضياع، والفرد بلا عقيدة ربانية يكون فريسة للأوهام والشكوك التي ربما تتراكم فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لدروب الحياة ورسالته فيها، والمجتمع الذي لا تسوده عقيدة ربانية هو مجتمع بهيمي وحشي همجي يفقد كل مقومات السعادة والطمأنينة وإن كان يملك كل مقومات الحياة المادية والتي كثيراً ما تقوده إلى الدمار والانحلال الاجتماعي والأخلاقي كما هو مشاهد في بعض المجتمعات الغربية، التي تملك قوة مادية ولا تملك عقيدة إيمانية صحيحة. فقد وفرت هذه المجتمعات لأصحابها الرفاهية والمتعة والطعام والشراب ولكنها دمرت الإنسانية والطمأنينة الاجتماعية والأمان وسائر القيم الأخلاقية، فقد قطعت الأرحام، وما عرفت الوالدين حقا ولا فضلا، بل سنت لهم سنة أن يلقوا في دور المسنين حتى يتوفاهم الله، ولا مانع من أن يتصل بهم أبناؤهم في المناسبات أو يرسلوا إليهم برقيات تهنئة!!!!
من هنا وفي صراعات هذا العصر الذي يغرق حياة المسلم بالمسائل التافهة من لهو الحياة ولغوها، ليس هناك من عمل أنفع وأشرف من أن يتعلم الإنسان أمور دينه وأركان إيمانه ومقتضياته، وأن يتعرف على معاني ومزالق الكفر والضلال ويحترس منها ويعلمها غيره من إخوانه المسلمين.
ومن هذا المنطلق نتعرف معا على بعض المفاهيم في العقيدة الإسلامية التي رأينا أنها تمثل الحد الأدنى من المعرفة التي لا غنى لمسلم عنها في هذا المجال، بعيداً عن الخوض في الجدل والصراعات الكلامية.

أهمية العقيدة:
العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح معه الأعمال كما قال تعالى:
(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110).
وقال تعالى:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (الزمر: 65). وقال تعالى: ( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) (الزمر: 2 ـ 3).
فدلت هذه الآيات الكريمة وغيرها على أن الأعمال لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة من الشرك، ومن ثم كان اهتمام الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بإصلاح العقيدة أولاً، فأول ما يدعون أقوامهم إلى عبادة الله وحده وترك عباده ما سواه ـ كما قال تعالى:
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (النحل: 36). وكان كل رسول يبدأ دعوته مع قومه: (اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) (الأعراف: 59). قالها أنبياء الله عليهم السلام مثل: نوح، وهود، وصالح، وشعيب وسائر الأنبياء.
ولقد بقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى التوحيد وإصلاح العقيدة؛ لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين.
وقد احتذى الدعاة والمصلحون في كل زمان حذو الأنبياء والمرسلين فكانوا يبدءون بالدعوة إلى التوحيد وإصلاح العقيدة، ثم يتجهون بعد ذلك إلى الأمر ببقية أوامر الدين.

معنى الإيمان:
الإيمان في اللغة: التصديق الذي يستلزم القبول والإذعان.
وفي الشرع: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وتدخل الأعمال في مسمى الإيمان، ودل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (البقرة: 143) أي صلاتكم وأنتم متجهون لبيت المقدس قبل أن تؤمروا بالتوجه إلى الكعبة.
وقال صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان”.
والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
ونحكي قصة طريفة ساقها أحد الدعاة إلى الله وهي:
أن أحد رجال الأعمال الأمريكان –لم يكن مسلما-، كان صاحب مؤسسة كبيرة ولديه من المال والعقار الشيء الكثير، ولكنه كان يشعر بالتعاسة والضيق والنكد، رغم كل ما لديه من متع وملذات ووسائل ترف، وإذا به ذات يوم يتفقد مؤسسته وينظر إلى أحد الموظفين الذين يعملون لديه –وكان موظفا مسلما- فوجده في غاية السعادة والرضا، فاستغرب هذا الغني الثري، ولسان حاله يقول:

  • كيف لهذا الرجل المتواضع الحال يشعر بكل هذه السعادة؟ وأنا صاحب المال والثروة أفتقدها؟!
  • فسأل هذا الموظف قائلا: ما سر ساعدتك؟
  • فقال له: كوني مسلما، فاندهش هذا الرجل، وبدأ يتعرف على الدين العظيم الذي منح من يتبعونه السعادة التي عجزت القصور والعمارات والسيارات الفارهة والأموال الطائلة أن توفرها لأصحابها.
    وسئل الحسن البصري رضي الله عنه: ما سر سعادتك؟ فقال:
    “علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأنّ قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به، وعلمت أن الله مطّلع عليّ فاستحييت أن يراني على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربّ العالمين”.
    هكذا يسعد الإيمان أهله، ويذهب عنهم الهم والغم، وقد أثبتت الدراسات النفسية أن من يلتزمون بشرع الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هم أبعد الناس عن الأمراض النفسية، وأيضا أثبتت الإحصاءات أن نسبة الانتحار تزداد وتتضاعف في البلاد التي ليس بها إسلام عند ذوي القلوب الخاوية من ذكر الله عز وجل. أما من نوَّر الإيمان قلوبهم فما أبعدهم عن الانتحار واليأس والخوف.

ونختم حديثنا بمقتطفات من هذه الأنشودة الإيمانية الرائعة:

الله مازكَ دون سائر خلقه وبنعمة العقل البصير حباكا
أفإن هداك بعلمه لعجيبة تزور عنه وينثني عطفاكا
كل العجائب صنعة العقل الذي هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض: من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب: من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا راع ومرعى: ما الذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة : ما الذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ما الذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً فاسأله: مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية: من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده فاسأله: من أرباكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا أنواره فاسأله: من أسراكا؟
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كلّ شيء ما الذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا فاسأله: من يا ليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراكا؟