أهم معالم السلوك الحضاري الإسلامي: أن يتوخى المسلم مكارم الأخلاق ومعاليها، ويحذر من سفاسفها.
يقول الرسول الكريم ﷺ:
-« إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفاسفها » (رَواهُ الحاكم عن سهل بن سعد: (صحيح الجامع الصغير 1889).
-« إن الله تعالى يحب معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها » (رَواهُ الطبراني عن الحسين بن علي (نفسه 1890).
-« إن الله تعالى جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفاسفها » (رَواهُ الطبراني في الأوسط عن جابر (نفسه 1744).
-وقال – ﷺ -: « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » وفي لفظ: « صالح الأخلاق » (رَواهُ ابن سعد (192/1)، وأحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (18/8)، والبُخاريُّ في الأدب المفرد (273) وَالحَاكِمُ وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (613/2) والبيهقيُّ في شعب الإيمان كلهم عن أبي هُريرةَ، وذكره في صحيح الجامع الصغير (2349).
فجعل إتمام مكارم الأخلاق أو صالح الأخلاق: هدفًا لبعثته، وغاية لرسالته، وكفى بذلك تنويها وتشريفا لقيمة الأخلاق في دعوته.
قال العلماء: ومكارم الأخلاق أو صالحها ما به صلاح الدين والدنيا والآخرة، التي جمعها دعاؤه – ﷺ -: « اللَّهُمَّ ! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر » (رَواهُ مسلم عن أبي هُريرةَ، (صحيح الجامع 1263).
ومن حسن حظ المسلمين: أن الله جعل لهم قدوة يقتدون بها، تتجسد فيها مكارم الأخلاق التامة، التي أخذت من ميراث جميع الرسل وزادت عليه. وذلك هو رسول الله – ﷺ -الذي أثنى الله عليه فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) (ن: 4). وقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) (الأحزاب: 21).
وقد سئلت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – عن خلقه – ﷺ -؟ فقالت: – وما أبلغ ما قالت -: ” كان خلقه القرآن ” (رَواهُ مسلم وأحمد وأبو داود عن عائشة كما في صحيح الجامع الصغير (4811).
تعني أن سيرته كانت تجسيدًا حيًا للقرآن. فكما بين القرآن للناس بقوله، بينه لهم بسيرته. ومن فضل الله علينا، أن سيرته عليه الصلاة والسلام لم تضع كما ضاعت سير الرسل السابقين، بل هي محفوظة مسجلة بتفاصيلها من الميلاد إلى الوفاة، وخصوصًا مرحلة البعثة، وعلى الأخص ما بعد الهجرة.
ولقد كتب فيها العلماء، وصنفوا في كل عصر، واجتمع لدنيا من مصنفاتها ثروة طائلة، ولا يزال كبار العلماء إلى اليوم يتقربون إلى الله تعالى بالكتابة عن هذه السيرة الشامخة، وبيان مواضع العظمة فيها، ومواطن العبرة والقدوة منها.
ولا يوجد امرؤ من الناس إلا وجد في هذه السيرة الشاملة الجامعة ما يأخذ منه الأسوة والهدي الأكمل، يستوي في ذلك الشاب والشيخ، والعزب والمتزوج، والغني والفقير، وَالحَاكِمُ والمحكوم، والمسالم والمحارب، ولا يعرف من اجتمعت له هذه الأوصاف إلا محمد – ﷺ -، فشمول سيرته: مكافىء لشمول رسالته (انظر في خصائص سيرته – ﷺ -محاضرات العلامة سليمان الندوي التي عنى العلامة السيد محب الدين الخطيب بنقلها إلى العربية بعنوان (الرسالة المحمدية) ونشرتها المطبعة السلفية. وهي فريدة في بابها).
ويدخل في مكارم الأخلاق حسن الخلق والمعاشرة، الذي دعت إليه السنة، وتوافرت في فضله الأحاديث، مثل قوله عليه الصلاة والسلام:
-« أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا » (روه أحمد وأبو داود وابن حِبَّان وَالحَاكِمُ عن أبي هُريرةَ، وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح (الفيض 97/2) أو الإحسان (479) والمستدرك (3/1) وقد صححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي).
-« أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم » (رَواهُ التّرمذيُّ عن أبي هُريرةَ وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حِبَّان والحاكم).
-« أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون » (رَواهُ الطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أبي سعيد، وحسنه في صحيح الجامع الصغير (1231).
-« إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل، صائم النهار » (رَواهُ أبو داود (4798)، وابن حبان (الإحسان 4801)، وَالحَاكِمُ (60/1) كلهم عن عائشة.
-« أثقل شيء في ميزان المؤمن (يعني يوم القيامة) خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذي » (البُخاريُّ في الأدب المفرد والتّرمذيُّ وابن حِبَّان والبيهقيُّ عن أبي الدرداء، كما في صحيح الجامع (135).
فبين له بهذه الكلمات الجامعة سياسته مع ربه، وسياسته مع نفسه، وسياسته مع الناس.