معنى الدعاء :

الدعاء هو العبادة، ووردت في مشروعيته آيات وأحاديث كثيرة، وهو مندوب إليه في الفرائض، خاصة الصلاة، ولا فرق بين الدعاء بأمور الآخرة أو أمور الدنيا فيها.

مشروعية الدعاء:

يقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة :

لا شك أن الدعاء عبادة عظيمة بل ورد في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:( الدعاء هو العبادة ) رواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الإمام الترمذي حديث حسن صحيح، وصححه الإمام النووي في الأذكار ص333. قال الإمام ابن العربي المالكي:[ وجه تسمية الدعاء عبادة بيِّن، لأن فيه الإقرار بالعجز من العبد والقدرة لله وذلك غاية الذل والخضوع ] عارضة الأحوذي 12/90.

وقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحض على الدعاء بشكل عام كما في قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } سورة غافر الآية 60.

وكما في قوله تعالى:{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } سورة الأعراف الآيتان 55-56.

وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:( ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء ) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/138.

وعنه أيضاً أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:( من سرّه أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن الترمذي 3/140.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:( الدعاء هو العبادة ) ثم قرأ { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } سورة غافر الآية 60، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق.

وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقول:( ما من أحدٍ يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من سوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني المصدر السابق 3/140. وغير ذلك من النصوص.

مواطن الدعاء :

ومن أعظم مواطن الدعاء الصلاة – فرضها ونفلها – فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم.) رواه مسلم.
وقوله ‏(‏فقمن‏)‏ قال الإمام النووي‏:‏ هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع قال‏:‏ وفيه لغة ثالثة قمين بزيادة الياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق وجدير‏.‏
شرح النووي على صحيح مسلم 2/148. وقد ثبت في الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء‏)‏‏ رواه مسلم.

حكم الدعاء بالأمور الدنيوية :

إذا ثبت هذا‏ فإنه يجوز للمصلي أن يدعو في صلاته – الفرض والنافلة – بخيري الدنيا والآخرة على الراجح من أقوال أهل العلم، قال الإمام النووي [قال الشافعي والأصحاب: وله أن يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، ولكن أمور الآخرة أفضل وله الدعاء بالدعوات المأثورة في هذا الموطن والمأثورة في غيره وله أن يدعو بغير المأثور ومما يريده من أمور الآخرة والدنيا ] ثم نقل عن بعض الشافعية تردده في جواز الدعاء بالأمور الدنيوية ثم قال:[ والصواب الذي عليه جمهور الأصحاب أنه يجوز كل ذلك ولا تبطل الصلاة بشيء منه ودليله الأحاديث الصحيحة … منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء )ونحو ذلك من الأحاديث ] المجموع 3/470.

وقال الإمام النووي أيضاً [: مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا كقوله اللهم ارزقني كسباً طيباً وولداً وداراً… واللهم خلص فلاناً من السجن وأهلك فلاناً وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا وبه قال مالك والثوري وأبو ثور واسحق… واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم ” وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء ” وفي الحديث الآخر ” فأكثروا الدعاء ” وهما صحيحان …فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده فتناول كل ما يسمى دعاءً، ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة فدل على أنه لا حجر فيه، وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد ” ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه وأحب إليه وما شاء ” وفى رواية مسلم كما سبق في الفرع قبله وفى رواية أبي هريرة ” ثم يدعو لنفسه ما بدا له ” قال النسائي وإسناده صحيح كما سبق ] المجموع 3/471.

ومما يدل على جواز الدعاء بالأمور الدنيوية في الصلاة مطلقاً أعني فرضاً كانت أم نافلة ما يلي:عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:( كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه ) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ قوله:( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه ” فيدعو به ” ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ ” فليدع به ” ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش ” ثم ليتخير من الدعاء ما أحب ” وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات ” ثم ليتخير من الثناء ما شاء ” ونحوه لمسلم بلفظ ” من المسألة “.

واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة، قال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاووس وأبو حنيفة فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، وعبارة بعضهم: ما كان مأثوراً، قال قائلهم: والمأثور أعم من أن يكون مرفوعاً أو غير مرفوع، لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم، وكذا يرد على قول ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح في أمر الدنيا، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقاً لا يجوز. ] فتح الباري 2/415.

وجاء في رواية عند مسلم:( ثم يتخير من المسألة ما شاء ) قال الإمام النووي:[ قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم يتخير من المسألة ما شاء ) فيه استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، وفيه أنه يجوز الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثماً، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يجوز إلا بالدعوات الواردة في القرآن والسنة ] شرح النووي على صحيح مسلم 2/89.

واختار القول بجواز الدعاء بالأمور الدنيوية جماعة من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين منهم الشيخ ابن قدامة المقدسي حيث قال:[ وحكى عنه ابن المنذر – أي عن الإمام أحمد – أنه قال: لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه؛ من حوائج دنياه وآخرته. وهذا هو الصحيح، إن شاء الله تعالى؛ لظواهر الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ثم ليتخير من الدعاء “، وقوله: ” ثم يدعو لنفسه بما بدا له “. وقوله: ” ثم ليدع بعد بما شاء “… ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه، فلم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم… ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء ) لم يعين لهم ما يدعون به، فدل على أنه أباح لهم كل الدعاء…] المغني 1/493-494.

واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال بعد أن ذكر أقوال العلماء:[ وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه‏)‏ ولم يوقت في دعاء الجنازة شيئاً، ولم يوقت لأصحابه دعاءً معيناً، كما وقت لهم الذكر، فكيف يقيد ما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعاء ] مجموع الفتاوى 22/478.

واختار هذا القول أيضاً الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حيث قال بعد أن ساق الأدلة السابقة:[ وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ] فتاوى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز.

واختاره أيضاً الشيخ العلامة العثيمين حيث قال جواباً على السؤال التالي: هل يصح أن يدعو بشيء يتعلق بالدنيا؟ فيقول مثلاً: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو داراً واسعة أو ما أشبه ذلك؟فأجاب: نعم يصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن مسعود: “ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) والإنسان مفتقر إلى ربه في حوائج دينه ودنياه. ومن قال من أهل العلم إنه لا يدعو بأمر يتعلق بالدنيا، فقوله ضعيف؛ لأنه يخالف عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ] فتاوى الشيخ العلامة العثيمين.

وخلاصة الأمر أن الدعاء في الصلاة مشروع بل مندوب إليه، ولا فرق بين صلاة الفريضة والنافلة، ويجوز الدعاء بأمور الآخرة والدنيا، ولكن أفضل الدعاء هو الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.