في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ] يدل الحديث على النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجة أو عذر وقد حمل بعض أهل العلم النهي في هذه الأحاديث على التحريم ولكن أكثر أهل العلم يرون أن النهي في هذه الأحاديث محمول على الكراهة .
يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ
وردت عدة أحاديث عن النبي ﷺ في النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان منها ما ذكره السائل في سؤاله وهو ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي الشعثاء قال :( كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة : أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ ).
وعن أبي هريرة رضي الله عليه وسلم :( لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق ) رواه الطبراني في الأوسط وروايته محتج بها في الصحيح.
وورد عن عثمان :( من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق ) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني صحيح لغيره .
وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :( لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا مـنــافــق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع ) رواه أبو داود في مراسيله ، وقال الشيخ الألباني : صحيح لغيره .
فهذه الأحاديث تدل على النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجة وقد حمل بعض أهل العلم النهي في هذه الأحاديث على التحريم ويؤكد ذلك على حسب حملهم أن أبا هريرة اعتبر الخروج من المسجد بعد الأذان عصياناً لأبي القاسم ﷺ .
قال القرطبي المحدث: [ قول أبي هريرة في الخارج من المسجد :( أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم ) محمول على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله ﷺ بدليل ظاهر نسبته إليه في معرض الاحتجاج به وما كان يليق بواحد منهم للذي علم من دينهم وأمانتهم وضبطهم وبعدهم عن التدليس ومواقع الإيهام وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان فأطلق لفظ المعصية فإذا ثبت هذا استثمر منه أن من دخل المسجد لصلاة فرض فأذن مؤذن ذلك الوقت حرم عليه أن يخرج منه لغير ضرورة حتى يصلي فيه تلك الصلاة لأن ذلك المسجد تعين لتلك الصلاة أو لأنه إذا خرج قد يمنعه مانع من الرجوع إليه أو إلى غيره فتفوته الصلاة ]. ولكن أكثر أهل العلم يرون أن النهي في هذه الأحاديث محمول على الكراهة .
عن أبي هريرة :( أن رسول الله ﷺ خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف ، قال : على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل ).
وقال الإمام الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي هريرة السابق :[ وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه .
ويـروى عن إبـراهيم النخعي أنه قال : يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة ، قال أبو عيسى – الترمذي – : وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه ] سنن الترمذي مع شرحه التحفة 1/518 .
وقال الإمام النووي : في شرح حديث أبي هريرة :[ فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر ] شرح النووي على صحيح مسلم 2/290 .
وذهب إلى القول بكراهة الخروج من المسجد بعد الأذان الحنفية والمالكية والشافعية .
وقال مالك : بلغني أن رجلاً قدم حاجاً وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة فقال له سعيد : لا تخرج فإنه بلغني أنه من خرج بعد الأذان خروجاً لا يرجع إليه أصابه أمر سوء . قال : فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة فقال : ما أراه إلا قد حبسني فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال : قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره قال ابن رشد : قول ابن المسيب بلغني معناه عن النبي ﷺ إذ لا يقال مثله بالرأي وهي عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي أذن لها وحضر وقتها .
قال أبو عمر بن عبد البر : : أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهارة وكذا إن كان قد صلى وحده إلا ما لا يعاد من الصلوات فلا يحل الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوي الرجوع .أهـ ملخصاً ومن الأعذار المبيحة أيضاً الخروج من المسجد بعد الأذان ما أحدث أهل زماننا في المساجد من البدع كرفع الصوت بقراءة قرآن أو ذكر لأنه يشوش على المتعبدين وكالتبليغ لغير حاجة إليه … ويدل لذلك ما يأتي للمصنف في باب التثويب عن مجاهد قال كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فثوب رجل أي قال الصلاة خير من النوم في الظهر أو العصر فقال ابن عمر لمجاهد : اخرج بنا فإن هذه بدعة ] المنهل العذب المورود 4/218-219 .