جاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة، قال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وتُتيح الأضحية للعباد التقرُّب من ربّهم، وشكره على ما مَنّ به عليهم، كما أنّ فيها استشعارٌ وإحياءٌ لسُنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه إسماعيل -عليه السلام-؛ وذلك حين أمر الله -تعالى- إبراهيم بذَبحه، فاستجابا لأمره، إلّا أنّ الله حال بينه وبين ذَبْحه ابنه، وفَداه بكبشٍ عظيمٍ.
الأضاحي والعدوى:
شرع الإسلام الأضحية في العيد ليوسع الناس على أنفسهم وأقاربهم وجيرانهم، وعلى أهل الفقر والعوز منهم، ولكن إذا ثبت أن في الحيوانات التي سيضحى بها أمراض يمكن أن تؤذي الإنسان إذا أكلها، أو تنقل إليه العدوى منها، أو غير ذلك من الأضرار الظاهرة أو الخفية، الحاضرة أو المستقبلة، فإن القاعدة الشرعية المقررة بإجماع الأمة: أن لا ضرر ولا ضرار، أي لا يجوز للمرء أن يضر نفسه، أو يضار غيره. وهي قاعدة مقطوع بها، لأنها مأخوذة من القرآن والسنة.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:وقد قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) النساء، وقال جل شانه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة.
ولهذا شرع الرخص والتخفيفات، حفاظا على سلامة الإنسان وصحة بدنه، وقال ﷺ: ” إن لبدنك عليك حقا ” متفق عليه.
ولهذا حرم علماء الأمة كل ما يضر تناوله بالإنسان من مأكول أو مشروب أو ملبوس، أو غير ذلك. حماية للنفس البشرية ومحافظة على حياتها وسلامتها، وهذه إحدى الضروريات الخمس، التي اتفقت على رعايتها كل الأديان.
ومن هنا نقول: إذا ثبت أن في تناول لحوم البقر أو الإبل أوالغنم أضرارا على الإنسان، فحرام عليه تناولها في الأضحية وفي غيرها، لأن نفسه وحياته وديعة من الله لديه، فلا يحل له التفريط في حقوقها، أو إيذاؤها بغير حق.
وفي الأضحية يكون الترك أوجب، لأنه يعطي منها غيره من الجيران والأحباب، ومن الفقراء والمساكين، فالضرر ليس مقصورا عليه، بل هو ضرر متعدٍّ إلى غيره، فتكون الحرمة أوكد.
وهذا كله إذا ثبت أن هذه اللحوم تضر بالإنسان، ويرجع إلى أهل الذكر والاختصاص في ذلك، كما قال تعالى: (فاسأل به خبيرا) الفرقان: (ولا ينبئك مثل خبير) فاطر: فقد ذكر المختصون من العلماء: أن الحمى القلاعية تهلك الحيوان، ولكنها لا تضر الإنسان.
وجود ضرر في نوع من الأضاحي لا يلغي الأضحية كلية:
فإذا ثبت الضرر في لحوم نوع من الأضاحي، فيمكن للمسلم أن ينتقل إلى غيره، فإذا ثبت في البقر، تركها وضحى بالغنم، أو بالإبل، إن تيسر له ذلك، فإذا ثبت الضرر في جميعها في بلد ما، فإن المسلم يستطيع أن يقيم هذه الشعيرة في أي بلد آخر، بأن يوكل عنه من يذبح عنه، ويدفع له ثمن الأضحية، وهذا ما تقوم به الجمعيات الخيرية في بلاد شتى. بل قد يستطيع المسلم أن يشتري عدة أضاح في بعض البلاد الفقيرة، بثمن الأضحية الواحدة في بلده، وفي هذا فائدة كبيرة للمسلمين الفقراء في تلك البلاد، فنعم البديل هذا.