الله عز وجل قد خلق الإنسان وأعطاه حرية الاختيار بين فعل الخير وبين فعل الشر ، وأعطاه الحرية في فعل المباح وتركه ، ولذلك فسوف يحاسبه على عمله الذي يختاره ، فإذا اختار فلن يفعل ما اختاره إلا بإذن الله .
والمعنى : أن الإنسان مخير في عمله غير خالق له ( والله خلقكم وما تعملون) .
يقول الدكتور عبد الحليم محمود -رحمه الله-:
هذه مسألة خاض فيها العلماء منذ زمن طويل وذهبوا فيها مذاهب:
1.مذهب الجبْرية الذي يرى أن الإنسان لا كسبَ له، ولا اختيار في أفعاله وأنه كرِيشةٍ مُعلقة في الهواء تُسَيِّرُها الرياح كيف شاءت.
2.مذهب المعتزلة الذي يرى أن الإنسان إنما يَخلق أفعاله الاختيارية ويُوجدها بقُدرته وإرادته التي خلَقها الله فيه ولا دخل للقضاء والقدَر في أفعاله.
3.ومذهب أهل السُّنَّة الذي يرى أن الله هو الذي يخلق أفعال العبد، والعبد له كسْبٌ واختيار في أفعاله.
ومذهب أهل السنة هو الذي ارتضاه جمهور المسلمين ، وهو أن العبد مُخيَّر في أفعاله؛ لأنه هو الذي يُرجح ويختار حسْب ما أودعه الله فيه مِن عقل يُميز الخير مِن الشر، وأنه هو الذي يعزم ويُصمم على الفعْل، وبعد ذلك يكون خلْق الفعل مِن الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما قال في كتابه العزيز: ( واللهُ خلَقَكُمْ ومَا تَعْمَلونَ ) .
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
لم يخلق الله كافرًا قط , بل كلٌّ مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما ورد في الحديث ، خلق الله تعالى هذا الإنسان وأعطاه المشاعر والعقل ، وجعله مستعدًّا لمعرفة الخير والشرّ ، والحقّ والباطل بنظره واستدلاله ؛ ليجازى على كسبه وعمله ، ويكون هو سبب سعادة نفسه أو شقائها ، ولو خلقه لا كسب له ولا إرادة ولا اختيار لكان إما ملكًا روحانيًّا أو حيوانًا أعجمًا لا مؤمنًا ولا كافرًا , فمن يريد أن يكون نوع الإنسان على غير ما هو عليه ، فهو يريد في الحقيقة عدم هذا النوع بالمرَّة .