لا يجوز للزوجة أن تطلق نفسها وتتزوج من تلقاء نفسها، بسبب غياب الزوج، ولكن لها أن ترفع الأمر للقضاء، فيحكم لها بموجب قانون الأحوال الشخصية الذي تعتمده دولتها. جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق:
التطليق لغيبة الزوج هو مذهب مالك وأحمد، دفعا للضرر عن المرأة، فللمرأة أن تطلب التفريق إذا غاب عنها زوجها ولو كان له مال تنفق منه، بشروط:
1 – أن يكون غياب الزوج عن زوجته لغير عذر مقبول.
2 -أن تتضرر بغيابه.
3 -أن تكون الغيبة في بلد غير الذي تقيم فيه.
4 -أن تمر سنة تتضرر فيها الزوجة.
فإن كان غيابه عن زوجته بعذر مقبول: كغيابه لطلب العلم، أو ممارسة التجارة، أو لكونه موظفا خارج البلد، أو مجندا في مكان ناء، فإن ذلك لا يجيز طلب التفريق، وكذلك إذا كانت الغيبة في البلد الذي تقيم فيه. وكذلك لها الحق في أن تطلب التفريق للضرر الواقع عليها لبعد زوجها عنها لا لغيابه. ولابد من مرور سنة يتحقق فيها الضرر بالزوجة وتشعر فيها بالوحشة، ويخشى فيها على نفسها من الوقوع فيما حرم الله.
والتقدير بسنة قول عند الامام مالك. وقيل: ثلاث سنين، ويرى أحمد: أن أدنى مدة يجوز أن تطلب التفريق بعدها ستة أشهر، لانها أقصى مدة تستطيع المرأة فيها الصبر عن غياب زوجها كما تقدم ذلك في فصل سابق، واستفتاء عمر وفتوى حفصة رضي الله عنهما.انتهى.
وإذا كنت تقصدين أن الزوج مفقود لا غائب، بمعنى أنه لا يدرى مكانه، ولا يدرى حي هو أو ميت، فالواجب أيضا الرجوع للقضاء لينفذ المذهب الفقهي المعتمد لديه في هذه الحالة، ويمكننا أن نستعرض المذاهب في ذلك كما جاءت لفتوى على لسان الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر سابقا، وهي كالتالي: فى كتب لغة العرب أن المفقود اسم مفعول من فقدت الشىء، إذا أضللته، يقال فقد الشىء يفقده فقدا، بمعنى غاب عنه وعدمه.
وقد نقل الزيلعى في: (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج – 3 ص 310) عن النهاية أنه فى اللغة من الأضداد، يقول الرجل فقدت الشىء، أى أضللته وفقدته أى طلبته، وكل من المعنيين متحقق فى المفقود، فقد ضل عن أهله، وهم فى طلبه.
وقد اصطلح الفقهاء على أن المفقود: هو الغائب الذى لا يدرى مكانه، ولا حياته، ولا موته.
وقد ذهب فقه مذهب أبى حنيفة إلى أنه لا يعتبر الجهل بمكان المفقود، وأن عدم معرفة حياة الشخص أو وفاته هو الأساس فى اعتباره مفقودا، ومن ثم اعتبروا الأسير فى دار الحرب الذي لا تعرف حياته أو وفاته مفقودا، مع أن مكانه قد يكون معلوما.
ولما كان المفقود مجهول الحال، أحي هو، أو ميت، اعتبره الفقهاء حيا فى حق الأحكام التي تضره، وهي التي تتوقف على ثبوت موته فلا يقسم ماله على ورثته، ولا تفسخ إجاراته عند من يقول بفسخها بالموت، وهم فقهاء المذهب الحنفي، ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته.
ويعتبر ميتا فى حق الأحكام التي تنفعه وتضر غيره وهي المتوقفة على ثبوت حياته، فلا يرث من غيره، ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به، بل يوقف نصيبه فى الإرث والوصية إلى ظهور حياته، أو الحكم بوفاته، فإذا ظهر حيا أخذ الإرث والوصية، وإذا حكم بموته قسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته، وأما ما يوقف له من الميراث فيرد إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث، وترد الوصية إلى ورثة الموصى، وقد بنى الفقهاء هذه الأحكام على قاعدة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على زواله.
ويعبرون عن هذا الأصل أيضا بأنه استصحاب الحال وهو الحكم ببقاء أمر محقق يظن عدمه، وقالوا إن هذا الأصل يصلح حجة للدفع، لا للاستحقاق.
ما المدة التي يحكم بعدها بموت المفقود؟
لم يرد نص فى القرآن الكريم، ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يحدد الزمن الذى يحكم بفواته بموت المفقود، لا صراحة ولا دلالة، ومن ثم كان اختلاف الفقهاء فى تحديد هذا الزمن، فقد ذهب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة إلى أنه لا يحكم بموت المفقود إلا إذا مات أقرانه، وقدر موت أقرانه ببلوغ المفقود عشرين ومائة سنة من تاريخ ولادته، وقيل ببلوغه مائة سنة، وقيل ببلوغه تسعين سنة، وقيل سبعين سنة، وقيل بموت أقرانه فى بلده.
وقد اختار الزيلعى ووافقه كثيرون أنه يفوض إلى رأي الإمام؛ لأنه يختلف باختلاف البلاد والأشخاص، فيجتهد، ويحكم بالقرائن الظاهر الدالة على موته أو حياته، وبعد الحكم بوفاة المفقود، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل لأزواج1.
وفى فقه مذهب الإمام مالك، أن من فقد فى بلاد المسلمين، فى حال يغلب فيها الهلال، وقد انقطعت أخباره عن زوجته وأهله، كما إذا فقد فى معارك بين المسلمين أو فى بلد عمه الوباء، كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى القاضى للبحث عنه، وبعد العجز عن الوقوف على خبره أو تعرف أثره، تعتد زوجته عدة الوفاة، ولها أن تتزوج بعد العدة وبورث ماله، أى يعتبر ميتا بدون حاجة إلى الحكم القاضى بالنسبة لزوجته وأمواله.
وأما إن كان قد فقد فى بلاد الإسلام فى حال لا يغلب فيها الهلاك وقد انقطع خبره عن آله وزوجته، فإذا رفعت هذه أمرها إلى القاضى حكم بوفاته بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده، واعتدت عدة الوفاة، وحلت للأزواج بعد انقضائها، وأما أمواله فلا تورث عنه إلا بعد مضى مدة التعمير، وهى سبعون سنة من تاريخ ولادته.
وأما إذا كان قد فقد فى غير بلاد الإسلام، فى حال يغلب فيها الهلاك كمن فقد فى حرب بين المسلمين وأعدائهم، ورفعت الزوجة أمرها إلى القاضى، فإنه بعد البحث والتحرى عنه، يضرب له أجل سنة فإذا انقضت اعتدت الزوجة وحلت للأزواج بعد انقضاء عدتها، ويورث ماله لورثته وقت انقضاء هذا الأجل2.
فذهب فقهاء مذهب أبى حنيفة بما ذهب إليه الفقه المالكى، تيسيرا على زوجة المفقود ورفقا لحرج انتظارها إياه حتى موت أقرانه، أو غير هذا من تلك المدد الزمنية السابق التنويه عنها.
وفى فقه مذهب الإمام الشافعى فى القديم تتربص زوجة المفقود أربع سنين، وهى أعلى مدة الحمل، وأربعة أشهر وعشرا لعدة الوفاة، وفى رواية حتى يبلغ سن المفقود تسعين سنة منذ ولادته ثم تحل للأزواج، وفى جديد الشافعى أن المفقود هو الذى اندرس خبره وأثره وغلب على الظن موته، ولا ينفسخ نكاحه حتى تقوم البينة بموته ورجع عن القول بتربصها أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتتزوج (الأم للشافعى ج – 7 ص 219 و 220 باب المفقود. والله أعلم.
1 – (المرجع السابق ص 310 إلى 312 كتاب المفقودط. المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1313 هجرية، وحاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار للحصكفى ج – 3 ص 453 وما بعدها، والمبسوط للسرخسى ج – 11 ص 34 إلى 49، ومختصر الطحاوى ص 403 ط. دار الكتاب العربى سنة 1370 هجرية)
2 – (شرح منح الجليل على مختصر خليل ج – 2 ص 385 وما بعدها فى مسائل زوجة المفقود، وج – 4 ص 181 وما بعدها من شرح الزرقانى على متن خليل وحواشيه، و ج – 2 ص 542 وما بعدها من حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل) هذا وقد أخذ بعض (ص 456 ج – 2 من الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى كتاب المفقود)