أوسع الأئمة في إجازة التطليق بالضرر هو الإمام مالك، حيث أجاز للقاضي أن يطلق الزوجة التي تثبت أن زوجها يضر بها ضررا غير محتمل.
جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق:-
الحالات التي يطلق فيها القاضي صدر بها قانون سنة 1920 وسنة 1929 ، وهي مستمدة من اجتهاد الفقهاء ، حيث لم يرد بها نص صحيح صريح ، وقد روعي فيها التيسير على الناس تجنبا للحرج ، وتمشيا مع روح الاسلام السمحة . جاء في القانون رقم 25 لسنة 1920 النص على التطليق لعدم النفقة ، والتطليق للعيب . وجاء في القانون رقم 25 سنة 1929 النص على التطليق للضرر ، والتطليق لغيبة الزوج بلا عذر ، والتطليق لحبسه . ونورد فيما يلي حكم كل ، مع مواد القانون الخاصة به ما عدا حكم التطليق للعيب ، فقد تقدم الكلام عليه في أول هذا المجلد . التطليق لعدم النفقة : ذهب الامام مالك والشافعي وأحمد إلى جواز التفريق لعدم النفقة ( 1 ) بحكم.
( هامش ) ( 1 ) أي المقصود بالنفقة الضرورية من الغذاء والكساء والسكنى في أدنى صورها . والمقصود القاضي إذا طلبته الزوجة ( 1 ) ، وليس له مال ظاهر ، واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي :
1 – أن الزوج مكلف بأن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها ويطلقها بإحسان ، لقول الله سبحانه : ” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” . ولا شك أن عدم النفقة ينافي الامساك بمعروف .
2 – أن الله تعالى يقول : ” ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ” . والرسول : يقول : ” لا ضرر ولا ضرار ” . وأي إضرار ينزل بالمرأة أكثر من ترك الانفاق عليها . وإن على القاضي أن يزيل هذا الضرر .
3 – وإذا كان من المقرر أن يفرق القاضي من أجل الغيب بالزوج فإن عدم الانفاق يعد أشد إيذاءا للزوجة وظلما لها من وجود عيب بالزوج ، فكان التفريق لعدم الانفاق أولى .
وذهب الاحناف إلى عدم جواز التفريق لعدم الانفاق سواء أكان السبب مجرد الامتناع ام الاعسار والعجز عنها ودليلهم في هذا :
1 – أن الله سبحانه قال : ” لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرا يسرا ” ( 2 ) . وقد سئل الامام الزهري عن رجل عاجز عن نفقة زوجته : أيفرق بينهما ؟ قال : تستأني به ، ولا يفرق بينهما ، وتلا الآية السابقة .
2 – أن الصحابة كان منهم الموسر والمعسر ، ولم يعرف عن أحد منهم أن النبي ﷺ فرق بين رجل وامرأته ، بسبب عدم النفقة لفقره وإعساره .
3 – وقد سأل نساء النبي ﷺ النبي ما ليس عنده ، فاعتزلهن ( هامش ) بعدم النفقة في الحاضر والمستقبل ، أما في الماضي فانه لا يقتضي المطالبة بالتفريق ولا تجاب إليه المرأة إذا طلبته بل تكون النفقة دينا في الذمة ” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ” . ( 1 ) فان كان له مال ظاهر فانه لا يفرق بينه وبين زوجته وينفذ حكم النفقة فيه . ( 2 ) سورة الطلاق آية 7
شهرا ، وكان ذلك عقوبة لهن ، وإذا كانت المطالبة بما لا يملك الزوج تستحق العقاب ، فأولى أن يكون طلب التفريق عند الاعسار ظلما لا يلتفت إليه.
4 – قالوا : وإذا كان الامتناع عن الانفاق مع القدرة عليه ظلما ، فإن الوسيلة في رفع هذا الظلم هي بيع ماله للانفاق منه ، أو حبسه حتى ينفق عليها ، ولا يتعين التفريق لدفع هذا الظلم مادام هناك وسائل أخرى ، وإذا كان كذلك فالقاضي لا يفرق بهذا السبب لان التفريق أبغض الحلال إلى الله من الزوج صاحب الحق ، فكيف يلجأ القاضي إليه مع أنه غير متعين ، وليس هو السبيل الوحيدة لرفع الظلم . هذا إذا كان قادرا على الانفاق ، فإن كان معسرا فإنه لم يقع منه ظلم لان الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها .
مادة ( 5 ) : إذا كان الزوج غائبا غيبة قريبة ، فإن كان له مال ظاهر نفذ الحكم عليه بالنفقة في ماله ، وإن لم يكن له مال ظاهر أعذر إليه القاضي بالطرق المعروفة ، وضرب له أجلا ، فإن لم يرسل ما تنفق منه زوجته على نفسها ، أو لم يحضر للانفاق عليها ، طلق عليه القاضي بعد مضي الاجل . فإذا كان بعيد الغيبة لا يسهل الوصول إليه ، أو كان مجهول المحل ، أو كان مفقودا ، وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة ، طلق عليه القاضي . وتسري أحكام هذه المادة على المسبحون الذي يعسر بالنفقة .
مادة ( 6 ) : تطليق القاضي لعدم الانفاق يقع رجعيا ، وللزوج أن يراجع زوجته إذا ثبت إيساره واستعد للانفاق في أثناء العدة فإذا لم يثبت إيساره ولم يستعد للانفاق لم تصح الرجعة .
التطليق للضرر :ذهب الامام مالك ( 1 ) : أن للزوجة أن تطلب من القاضي التفريق إذا ادعت إضرار الزوج بها إضرارا لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما ، مثل : ضربها ، أو سبها ، أو إيذائها بأي نوع من أنواع الايذاء الذي لا يطاق ،
( هامش ) ( 1 ) ومثله مذهب أحمد ، وخالف في ذلك أبو حنيفة والشافعي ، فلم يذهبا إلى التفريق بسبب الضرر ، لامكان إزالته بالتعزير وعدم إجبارها على طاعته .
أو إكراهها على منكر من القول أو الفعل . فإذا ثبتت دعواها لدى القاضي ببينة الزوجة ، أو اعتراف الزوج ، وكان الايذاء مما لا يطاق معه دوام العشرة بين أمثالهما وعجز القاضي عن الاصلاح بينهما طلقها طلقة بائنة . وإذا عجزت عن البينة ، أو لم يقر الزوج رفضت دعواها . فإذا تكررت منها الشكوى . وطلبت التفريق ، ولم يثبت لدى المحكمة صدق دعواها ، عين القاضي حكمين بشرط أن يكونا رجلين عدلين راشدين ، لها خبرة بحالهما ، وقدرة على الاصلاح بينهما . ويحسن أن يكونا من أهلهما إن أمكن . وإلا فمن غيرهم ، ويجب عليهما تعرف أسباب الشقاق بين الزوجين ، والاصلاح بينهما بقدر الامكان ، فإن عجزا عن الاصلاح وكانت الاساءة من الزوجين ، أو من الزوج ، أو لم تتبين الحقائق ، قررا التفريق بينهما بطلقة بائنة ( 1 ) وإن كانت الاساءة من الزوجة فلا يفرق بينهما بالطلاق . وإنما يفرق بينهما بالخلع . وإن لم يتفق الحكمان على رأي أمرهما القاضي بإعادة التحقيق والبحث فإن لم يتفقا على رأي استبدلهما بغيرهما . وعلى الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يستقر عليه رأيهما . يجب عليه أن ينفذ حكمهما . وأصل ذلك كله قول الله سبحانه : ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ” ( 2 ) ، والله تعالى يقول أيضا : ” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” وقد فات الامساك بمعروف ، فتعين التسريح بإحسان والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ” لاضرر ولا ضرار ” .
( هامش ) ( 1 ) ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي – في أحد قوليه – إلى أنه ليس للحكمين أن يطلقا إلا أن يجعل الزوج ذلك إليهما . وقال مالك والشافعي : إن رأيا الاصلاح بعوض أو بغير عوض جاز ، وإن رأيا الخلع جاز ، وإن رأى الذي من قبل الزوج الطلاق طلق ، ولا يحتاج إلى إذن الزوج في الطلاق ، وهذا مبني على أنهما حكمان لا وكيلان . ( 2 ) النساء آية 35 .
وجاء في قانون رقم 25 لسنة 1929 . ( مادة 6 ) : ” إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما ، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق ، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الاصلاح بينهما . فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ، ولم يثبت الضرر ، بعث القاضي حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد ” 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 11 ” .
مادة ( 7 ) : ” يشترط في الحكمين أن يكونا رجلين عدلين من أهل الزوجين إن أمكن ، وإلا فمن غيرهم ، ممن له خبرة بحالهما ، وقدرة على الاصلاح بينهما .
مادة ( 8 ) : على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما في الاصلاح ، فإن أمكن على طريقة معينة قرراها .
مادة ( 9 ) : إذا عجز الحكمان عن الاصلاح وكانت الاساءة من الزوج أو منهما ، أو جهل الحال قررا التفريق بطلقة بائنة . مادة ( 10 ) : إذا اختلف الحكمان أمرهما القاضي بمعاودة البحث فان استمر الخلاف بينهما حكم غيرهما . على الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يقررانه ، وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه.