صحيح أن البيت حاجة من الحاجات الأساسية للإنسان التي لا غنى له عنها إلا أن تملكه ليس من الحاجات الأساسية، فمن وجد مسكنا بالإيجار فهذا ليس مضطرا، وإلا كان معظم الناس داخلين في مفهوم الضرورة، وهو ما ينفيه الواقع، وترده أدلة الشريعة، فالضرورة استثناء من الأصل، وليست هي الأصل .

يقول الأستاذ الدكتور حسام عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين :-

إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) سورة البقرة / 275 – 279 . وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني : صحيح .انظر صحيح الجامع الصغير 1/633 .
وقال صلى الله عليه وسلم :( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية ] رواه أحمد وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . مجمع الزوائد 4/117 . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/29 .
وغير ذلك من الأحاديث .

إذا تقرر هذا فإن بعض المشايخ يتساهلون تساهلاً كبيراً في الإفتاء بجواز الربا بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت متكئين على أن الضرورات تبيح المحظورات فتراهم يفتون بجواز الاقتراض بالفائدة لشراء مسكن، وبعضهم يفتي بجواز الاقتراض بالفائدة من أجل الزواج، وغير ذلك من الفتاوى العرجاء التي لا تستند إلى دليل صحيح فضلاً عن مصادمتها للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه المحرمة للربا تحريماً قطعياً.

واستناداً لهذه النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قرر العلماء أن الإقراض بالرِّبا محرَّم لا تبيحه ضرورة ولا حاجة، والاقتراض بالرِّبا محرَّم كذلك لا تبيحه الحاجيات، ولا يجوز إلا في حالة الضرورة .

ولكن ما هي الضرورة التي تجيز الاقتراض بالربا؟ وهل شراء المسكن داخل في مفهوم الضرورة ؟
يقول الله تعالى :( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) سورة الأنعام الآية 119 .ويقول الله تعالى :( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة البقرة الآية 173 .

وتأصيلاً على هذه النصوص وغيرها قال العلماء :[ الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث: يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو – أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع ] نظرية الضرورة الشرعية ص 67-68 .

وبناءً على ما سبق فإن الضرورة التي تجيز التعامل بالربا هي بلوغ الإنسان حداً إن لم يتعامل بالربا المحرم هلك أو قارب على الهلاك. وبالتأكيد فإن شراء المسكن ليس داخلاً في هذه الضرورة ، صحيح أن المسكن من الحاجات التي لا غنى للإنسان عنها ولكن ليس شرطاً أن يكون المسكن ملكاً للساكن بل يمكن للإنسان أن يكون مستأجراً للمسكن لا مالكاً له .

قال الشيخ المودودي :
[لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا . فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية. وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضروري. فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار، ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون .

فإذا كانت الشريعة تسمح بإعطاء الربا في حالة من الاضطرار فإنما هي حالة قد يحل فيها الحرام كأن تعرض للإنسان نازلة لا بد له فيها من الاستقراض بالربا أو حلت به مصيبة في عرضه أو نفسه أو يكون يخاف خوفاً حقيقياً حدوث مشقة أو ضرر لا قبل له باحتمالها ففي مثل هذه الحالات يجوز للمسلم أن يستقرض بالربا ما دام لا يجد سبيلاً غيره للحصول على المال غير أنه يأثم بذلك جميع أولي الفضل والسعة من المسلمين الذين ما أخذوا بيد أخيهم في مثل هذه العاهة النازلة به حتى اضطروه لاستقراض المال بالربا .
بل أقول فوق ذلك:
إن الأمة بأجمعها لا بد أن تذوق وبال هذا الإثم؛ لأنها هي التي غفلت وتقاعست عن تنظيم أموال الزكاة والصدقات والأوقاف، مما نتج عنه أن أصبح أفرادها لا يستندون إلى أحد ولم يبق لهم من بدّ من استجداء المرابين عند حاجاتهم .

لا يجوز الاستقراض حتى عند الاضطرار إلا على قدر الحاجة، ومن الواجب التخلص منه ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً؛ لأنه من الحرام له قطعاً أن يعطي قرشاً واحداً من الربا بعد ارتفاع حاجته وانتفاء اضطراره. أما : هل الحاجة شديدة ؟ .. أم لا .. ؟ وإذا كانت فإلى أي حدّ ؟ .. ومتى قد زالت ؟ فكل هذا مما له علاقة بعقل الإنسان المبتلى بمثل هذه الحالة وشعوره بمقتضى الدين والمسؤولية الأخروية . فهو على قدر ما يكون متديناً يتقي الله ويـرجـو حـسـاب الآخـرة يـكـون معتـصـماً بـعروة الـحـيطة والـورع فـي هذا البـاب ] الربا ص 157-158 .

وجاء في الفتوى التي أصدرها المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية والذي عقد في القاهرة سنة 1965م ما يلي:

‌أ- الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.

‌ب- كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) صدق الله العظيم سورة آل عمران الآية130.

جـ – الإقراض بالربا المحرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، لا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.

وخلاصة الأمر أن الاقتراض بالربا من المحرمات القطعية الثابتة التي لا مجال للتلاعب بها ولا يباح الاقتراض بالربا إلا في حالة الضرورة وأن الضرورة تقدر بقدرها ولا يدخل تملك المسكن في ذلك ومن أفتى بجواز تملك المسكن بالاقتراض الربوي ففتواه باطلة ومردودة عليه ولا يجوز الأخذ بها شرعا.