اقتباس المتكلم شيئا من القرآن والسنة على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث، مسألة اختلف فيها الفقهاء.

فيرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية تحسينا للكلام , أما إن كان كلاما فاسدا فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن , وذلك ككلام المبتدعة وأهل المجون والفحش.

وهناك من ذهب إلى القول بالمنع دون نظر إلى حال المقتبس.

ما حكم الاقتباس من القرآن الكريم:

يقول فضيلة الدكتور ناصر بن محمد الماجد – عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-:

إذا قال أحد لآخر اذهب أنت وشعبك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون، قد تضمنت جزءاً من قوله –تعالى- في سورة المائدة: “فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” [المائدة: من الآية 24] وهذا التضمين يندرج تحت ما يسميه أهل العلم بالاقتباس، وحقيقته تضمين الكلام سواء كان شعراً أو نثراً بعض ألفاظ القرآن لا بلفظ قال الله ، بل على وجه يتوهم معه أنه غير قرآن، ونحو ذلك، وهذا الاقتباس قد اختلف فيه أهل العلم قديماً، حتى إن بعض المالكية قد تشدد في النهي عنه كثيراً.

والصحيح من كلامهم- رحمهم الله – أن الاقتباس جائز بشرط أن يكون ذلك في الكلام الطيب الحسن الذي يراد به هداية الناس ووعظهم وتوجيههم ونحو ذلك، كما فعل النبي –- وخلفاؤه، ولم يزل أهل الفضل من العلماء والخطباء والوعاظ يضمنون رسائلهم وخطبهم شيئاً من كلام الله – عز وجل-.

أما ما كان خارجاً عن هذا بأن يكون على سبيل الهزل والمزاح، فهذا مما يصان عن مثله القرآن، قال صاحب مختصر الروضة :”الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول ومباح ومردود، ثم ذكر من جملة القسم المردود تضمين آية في معنى هزل” والذي أشار إليه السائل، -إن صح أنه ورد في معرض المزاح ونحوه على حد قوله-، فهو مما يندرج ضمن الممنوع والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الاقتباس من القرآن للتعبير عن فكرة معينة:

يقول سماحة المستشار فيصل مولوي –نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
إن اقتباس شيء من القرآن الكريم، آية أو أكثر أو جزء من آية، في كلام أي إنسان من أجل التعبير عن فكرة معيّنة، وسواء في الشعر أو في النثر، جائز بلا خلاف بين العلماء بشرط واحد أن تستخدم العبارة القرآنية بما لا يتعارض مع معناها المقصود في القرآن. بل إنّ عدداً من العلماء استعمل في شعره بعض العبارات القرآنية. منها ما نقله الشيخ تاج الدين السبكي عن الشيخ أبي منصور البغدادي:
يا من عدا ثم اعتدى ثم اعترف ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعتـرف
أبشـر بقـول الله في آياتـه إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

وقد ذكر السيوطي في كتابه (الحاوي للفتاوى) الجزء الأول أمثلة كثيرة على ذلك.

ما هو الاقتباس وأقوال الفقهاء في الاقتباس من القرآن:

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الاقتباس في اصطلاح الفقهاء هو: تضمين المتكلم كلامه – شعرا كان أو نثرا – شيئا من القرآن أو الحديث , على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث.
ويرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية تحسينا للكلام , أما إن كان كلاما فاسدا فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن , وذلك ككلام المبتدعة وأهل المجون والفحش.

قال السيوطي: الاقتباس لم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين , من الشافعية مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء له قديما وحديثا , وقد تعرض له جماعة من المتأخرين , فسئل عنه الشيخ العز بن عبد السلام فأجازه , واستدل له بما ورد عنه من قوله في الصلاة وغيرها : { وجهت وجهي . . . } إلخ .

وقوله : { اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر } . وفي سياق الكلام لأبي بكر . . . { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } .

وفي حديث لابن عمر . . . { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }.
وقد اشتهر عند المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله , لكن منهم من فرق بين الشعر فكره الاقتباس فيه , وبين النثر فأجازه، وممن استعمله في النثر من المالكية القاضي عياض وابن دقيق العيد وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية.

أقسام الاقتباس:

نقل السيوطي عن شرح بديعية ابن حجة أن الاقتباس ثلاثة أقسام :

الأول : مقبول , وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود .
الثاني : مباح , وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص .
الثالث : مردود , وهو على ضربين .

( أحدهما ) اقتباس ما نسبه الله إلى نفسه , بأن ينسبه المقتبس إلى نفسه , كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله : { إن إلينا إيابهم , ثم إن علينا حسابهم } .

و( الآخر ) تضمين آية في معنى هزل أو مجون .

قال السيوطي : وهذا التقسيم حسن جدا , وبه أقول .