يقول د.محمد بكر إسماعيل -رحمه الله-:
عسَل النحل غذاءٌ مِن أهم الأغذية وأعْظمها، وشفاءٌ لكثير مِن الأمراض والعلَل، ولا يَزال أهلُ العلْم يَكتشفون مِن أسراره ما يَجعلهم يُسبحون بحَمد الله ـ عز وجل ـ ويُؤمنون بأن القرآن مُعجزة للعلماء على اختلاف مَشاربهم وتَخصُّصاتهم.
وقول الأطباء: إنه شِفاء لبعض الأمراض دُونَ بعض صحيح ، فهو ـ كما يذكر الرازيُّ في تفسيره وابنُ حجر في “فتح الباري شرح صحيح البخاريِّ” ـ شفاءٌ ما، لداءٍ ما، لشخصٍ ما، في وقتٍ ما.
والقرآن الكريم لم يُصرِّح بأنه شفاء مِن كل داء، فقوله جل شأنُه: (فيهِ شِفاءٌ للناسِ) أي فيه شفاء لهم مِن بعض الأمراض دون بعض، وعلماء اللغة لا يَفهمون مِن الآية التَّعميم؛ لأنَّ النكرة قد تَعمُّ وقد لا تعمُّ، وقد تكون للتقليل كما تكون للتكثير، وقد تكون للتعظيم وقد تكون للتحقير، إلى آخر ما هنالِكَ مِن المعاني.
وقولنا: عسَل النحل شِفاء لبعض الأمراض دون بعض ولشخص دون شخص وفي وقت دون وقت، لا يُقلِّل مِن شأن العَسل ولا مِن قيمته الغِذائية، فهو يُعتبر بحقٍّ عنصرًا هامًّا مِن عناصر التغذية ودواءً ناجحًا لكثير مِن الأمراض والعِلَل.
والدليل مِن السنَّة علَى أن العَسل ليسَ شِفاءً مِن كل داءٍ ما جاء في الصحيحَينِ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “الشفاءُ في ثلاثةٍ: شَرْبَةِ عسلٍ، وشَرْطةِ مِحْجَمٍ، وكَيَّةِ نارٍ، وأنا أنهَى أمَّتي عن الكَيِّ” فهذا الحديث يُفيد أن الأدوية مُتنوعة، فكل داءٍ له دواءٌ خاصٌّ به، فالعسل يُعالَج به بعض الأمراض دون بعض، وكما أنه يَنفع في علاج داءٍ قد يَضرُّ في علاج داء آخَر، هذا هو الفهْم الصحيح للآية والحديث.