الاحتفال بالمولد النبوي هو موضوع يجذب اهتمامًا واسعًا بين المسلمين، خاصة مع اقتراب موعد ذكرى ميلاد النبي محمد ﷺ. يختلف العلماء والفقهاء في حكم هذا الاحتفال بين من يرى أنه بدعة مستحدثة في الدين، وبين من يراه مناسبة لتذكير المسلمين بسيرة النبي وتعاليمه. في هذه المقالة، سنتناول آراء علماء الإسلام حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، مستعرضين الأدلة الشرعية والمبررات التي يستند إليها كل فريق.
ما هو يوم مولد النبي محمد ﷺ؟
مولد النبي ﷺ يوم الاثنين هو أمر متفق عليه بين المؤرخين، استنادًا إلى الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه:
“سئل النبي ﷺ عن صيام يوم الاثنين، فقال: ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه أو أنزل علي فيه.”
أما بخصوص العام، فقد ورد أنه عام الفيل، وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي غزو مكة وتدمير الكعبة باستخدام الفيلة، وحمى الله بيته بإرسال طير أبابيل. وقد عُرف هذا العام عند العرب بأنه علامة تاريخية مهمة وأصبح مرجعًا يؤرخون به الأحداث.
التاريخ الميلادي
التحديد الدقيق للشهر واليوم الميلادي ليس قاطعًا، لكن وفقًا للآراء السائدة، يعتبر 12 ربيع الأول هو الأرجح. وإن الدراسات الحديثة تشير إلى أن عام الفيل يوافق غالبًا 570 أو 571 ميلادية، اعتمادًا على الحسابات الفلكية والمقارنة التاريخية.
هل الإحتفال بالمولد النبوي الشريف حلال أم حرام؟
كلام علماء الإسلام حول الاحتفال بالمولد النبوي وحكمه على اختلاف مذاهبهم وآرائهم له جانبان:
الأول: أن الاحتفال بمولد النبي ﷺ لم يكن موجودا على عهد الصحابة والتابعين وبالتالي فهو بدعة .
الثاني : اعتقاد المحتفلين به أنه من باب تذكير الناس بالسيرة النبوية
لكن نجد في كلام الفريقين أنها متفقة على اعتبار الاحتفال بالمولد النبوي من المحدثات في الدين، لا يدعمه أي دليل شرعي صريح، وهناك من العلماء من يميل قولهم إلى التفصيل مراعيا الحكمة والغاية التي يحققها اجتماع المسلمين على الاستفادة من هذا اليوم بتذكير الناس بالسيرة النبوية العطرة وتعليمهم الهدي النبوي الشريف وترغيبهم في حبه وولائه والإكثار من الصلاة على النبيﷺ.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
ذهب إلى التفصيل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشيخ سعيد حوى (أحد العلماء والدعاة المعاصرين )، يقول:
مما استحدث خلال العصور الاحتفال بيوم ميلاد الرسول ـ ﷺ ـ وتوضع حول هذا الموضوع عادات تختلف باختلاف البلدان، وقد تحدث ابن الحاج في مدخله عن كثير مما أنكره من عادات توضعت حول المولد، ووجدت بسبب من ذلك وبسبب من غيره ردود فعل كثيرة حول هذا الموضوع فمن محرم ومن مدافع، وقد رأينا أن لابن تيمية رحمه الله رأيا في غاية الإنصاف، فهو يرى أن أصل الاجتماع على المولد مما لم يفعله السلف ولكن الاجتماع على ذلك يحقق مقاصد شرعية.
والذي نقوله: أن يعتمد شهر المولد كمناسبة يذكر بها المسلمون بسيرة رسول الله ـ ﷺ ـ وشمائله، فذلك لا حرج، وأن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله ـ ﷺ ـ فذلك لا حرج فيه، وأن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله ـ ﷺ ـ فذلك لا حرج فيه.
وأن مما ألف في بعض الجهات أن يكون الاجتماع على محاضرة وشعر أو إنشاد في مسجد أو في بيت بمناسبة شهر المولد، فذلك مما لا أرى حرجا على شرط أن يكون المعني الذي قال صحيحا.
إن أصل الاجتماع على صفحة من السيرة أو على قصيدة في مدح رسول الله ـ ﷺ ـ جائز ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فأن يخصص للسيرة شهر يتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج.
ألا ترى لو أن مدرسة فيها طلاب خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهرا بعينه فهل هي آثمة، ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك.
فتوى الشيخ ابن باز
ذهب العلامة ابن باز وآخرون إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع، بل هو بدعة، لم يفعله النبي ﷺ ولا أصحابه، وهكذا الموالد الأخرى، لـعلي أو للحسين أو لـعبد القادر الجيلاني أو لغيرهم، الاحتفال بالموالد بدعة غير مشروعة، والرسول ﷺ هو الداعي إلى كل خير، وهو المعلم المرشد للأمة، وقد بعثه الله بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا يدعو إلى كل خير، وقال الله في حقه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158].
ولم يرشد أمته إلى الاحتفال، ولم يحتفل في حياته بمولده، ولا فعله الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من الصحابة، ولا في القرون المفضلة القرن الأول والثاني والثالث، وإنما أحدثه الرافضة، ثم تابعهم بعض المنتسبين للسنة.
الحكمة من الاحتفال بالمولد النبوي
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هناك لون من الاحتفال يمكن أن نقره ونعتبره نافعا ًللمسلمين، ونحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول ﷺ ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، لماذا؟
لأن هذه الأشياء عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول ﷺ، كان الرسول ﷺ حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله ﷺ كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي ﷺ، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء.
ثم جاء عصر نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت والتذكير بهذه المآثر التي نُسيت، صحيح اتُخِذت بعض البدع في هذه الأشياء ولكنني أقول إننا نحتفل بأن نذكر الناس بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية، فعندما أحتفل بمولد الرسول فأنا أحتفل بمولد الرسالة، فأنا أذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله.
وفي الهجرة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس، لأربط الناس بسيرة النبي ﷺ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب 21 ] لنضحي كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي ﷺ، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: “يا أبا بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”.
نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني، أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي ﷺ ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن هذا فليست من الاحتفال ؛ ولا نقر أحدًا عليها .
بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي
فيما يلي مجموعة من آراء العلماء حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي:
رأي ابن الحاج رحمه الله في الاحتفال
من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربًا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعًا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين. فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرًا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ﷺ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ﷺ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه)[1] فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر” ولقوله عليه الصلاة والسلام: “آدم ومن دونه تحت لوائي”[2]. وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.
فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ﷺ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ﷺ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.
ألا ترى إلى ما رواه البخاري رحمه الله تعالى: “كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان[3] فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.
رأي ابن تيمية رحمه الله في الاحتفال
اختار ابن تيمية مذهب التفصيل في قضية المولد ومن كلامه في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم“، فقال:
وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرًا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين.
فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ﷺ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.
رأي السيوطي رحمه الله في الاحتفال
وللسيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوى” رسالة مطولة أسماها: “حسن المقصد في عمل المولد” وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ﷺ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ﷺ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة، أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة.
الثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.
والمولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.
رأي ابن حجر في الاحتفال
وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:
أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال:
وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: “يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى” فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.
والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.
وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحًا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنعه وكذا ما كان خلفًا الأولى. انتهى.
قال السيوطي تعليقًا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ﷺ عق عن نفسه بعد النبوة[4]، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ﷺ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات.
ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المذاهب الأربعة؟
يعود تاريخ بداية الاحتفال بالمولد النبوي إلى عصر الدولة العبيدية الفاطمية في مصر سنة (361هـ)، وهذا العصر متأخر جدا عن عصور علماء المذاهب الأربعة، وهذا دليل على أن الاحتفال به بدعة لأنه أمر لم يأت به دليل، ولم يفعل في عهد الخلفاء الراشدين ولا في عهد الصحابة والتابعين، ولا قال به أحد من أئمة المذاهب الأربعة رحمهم الله تعالى.
قال العلامة عمر بن علي السكندري المالكي، المشهور بالفاكهاني، رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين. . . بل هو بدعة أحدثها البطالون.
وقال الحافظ السخاوي الشافعي، رحمه الله تعالى: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد.
وقال الشيخ نصير الدين المبارك، الشهير بابن الطباح، رحمه الله تعالى: ليس هذا من السنن. وقال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي، رحمه الله تعالى: هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له ﷺ إعظامًا ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم، ولا ذرة منه.